للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التفسير:

حرَّم الله عليكم الميتة، وهي الحيوان الذي تفارقه الحياة بدون ذكاة، وحرَّم عليكم الدم السائل المُراق، ولحم الخنزير، وما ذُكِر عليه غير اسم الله عند الذبح، والمنخنقة التي حُبِس نَفَسُها حتى ماتت، والموقوذة وهي التي ضُربت بعصا أو حجر حتى ماتت، والمُتَرَدِّية وهي التي سقطت من مكان عال أو هَوَت في بئر فماتت، والنطيحة وهي التي ضَرَبَتْها أخرى بقرنها فماتت، وحرَّم الله عليكم البهيمة التي أكلها السبُع، كالأسد والنمر والذئب، ونحو ذلك. واستثنى -سبحانه- مما حرَّمه من المنخنقة وما بعدها ما أدركتم ذكاته قبل أن يموت فهو حلال لكم، وحرَّم الله عليكم ما ذُبِح لغير الله على ما يُنصب للعبادة من حجر أو غيره، وحرَّم الله عليكم أن تطلبوا عِلْم ما قُسِم لكم أو لم يقسم بالأزلام، وهي القداح التي كانوا يستقسمون بها إذا أرادوا أمرًا قبل أن يقدموا عليه. ذلكم المذكور في الآية من المحرمات -إذا ارتُكبت- خروج عن أمر الله وطاعته إلى معصيته. الآن انقطع طمع الكفار من دينكم أن ترتدوا عنه إلى الشرك بعد أن نصَرْتُكم عليهم، فلا تخافوهم وخافوني. اليوم أكملت لكم دينكم دين الإسلام بتحقيق النصر وإتمام الشريعة، وأتممت عليكم نعمتي بإخراجكم من ظلمات الجاهلية إلى نور الإيمان، ورضيت لكم الإسلام دينًا فالزموه، ولا تفارقوه. فمن اضطرَّ في مجاعة إلى أكل الميتة، وكان غير مائل عمدًا لإثم، فله تناوله، فإن الله غفور له، رحيم به.

قوله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ} [المائدة: ٣]، أي: " حُرّم عليكم -أيها المؤمنون- أكل الميتة: وهي ما مات حتف أنفه من غير ذكاة، والدم والمسفوح ولحم الخنزير" (١).

قال مقاتل: " يعني: أكل الميتة والدم ولحم الخنزير" (٢).

قال الطبري: " فالميتة والدم مخرجهما في الظاهر مخرج عموم، والمراد منهما الخصوص. وأما لحم الخنزير، فإن ظاهره كباطنه، وباطنه كظاهره، حرام جميعه، لم يخصص منه شيء" (٣).

وفي قوله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} [المائدة: ٣]، وجهان (٤):

أحدهما: أنه كل ما له نفس سائلة من دواب البر وطيره.

والثاني، أنه كل ما فارقته الحياة من دواب البر وطيره بغير ذكاة.

وفي تفسير {وَالدَّمُ} [المائدة: ٣]، قولان (٥):

أحدهما: أن الحرام منه ما كان مسفوحاً، كقوله تعالى {أَوْ دَماً مَّسْفُوحاً} [الأنعام: ١٤٥].

الثاني: أنه كل دم مسفوح وغير مسفوح، إلا ما خصته اسنة من الكبد والطحال.

قال الماتريدي: "فعلى القول الأول لا يحرم السمك، وعلى الثاني يحرم.

قال الطبري: " فإنه الدم المسفوح، دون ما كان منه غير مسفوح، لأن الله جل ثناؤه قال: {قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنزير} [سورة الأنعام: ١٤٥]، فأما ما كان قد صار في معنى اللحم، كالكبد والطحال، وما كان في اللحم غير" (٦).

وفي قوله تعالى: {وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ} [المائدة: ٣]، وجهان:

أحدهما: أن التحريم يختص بلحم الخنزير دون شحمه، وهذا قول داود (٧).

والثاني: أنه يعم اللحم وما خالطه من شحم وغيره.


(١) صفوة التفاسير: ٣٠١.
(٢) تفسير مقاتل بن سليمان: ١/ ٤٥١.
(٣) تفسير الطبري: ٩/ ٤٩٣.
(٤) انظر: تفسير الطبري: ٩/ ٤٩٢.
(٥) انظر: تفسير الطبري: ٩/ ٤٩٣، والنكت والعيون: ٢/ ١٠.
(٦) تفسير الطبري: ٩/ ٤٩٣.
(٧) انظر: النكت والعيون: ٢/ ١٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>