للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

«هل تستطيع أن تريني كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ؟ فقال عبد الله بن زيد: نعم، فدعا بوضوء، فأفرغ على يديه، فغسل يديه مرتين مرتين، ثم مضمض واستنشق ثلاثا، وغسل وجهه ثلاثا، ثم غسل يديه مرتين مرتين إلى المرفقين، ثم مسح بيديه، فأقبل بهما وأدبر، بدأ بمقدم رأسه ثم ذهب بهما إلى قفاه، ثم ردهما حتى رجع إلى المكان الذي بدأ منه، ثم غسل رجليه» (١).

وفي حديث عبد خير، عن علي في صفة وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم نحو هذا، وروى أبو داود، عن معاوية والمقدام بن معد يكرب، في صفة وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله (٢).

ففي هذه الأحاديث دلالة لمن ذهب إلى وجوب تكميل مسح جميع الرأس، كما هو مذهب الإمام مالك وأحمد بن حنبل، لا سيما على قول من زعم أنها خرجت مخرج البيان لما أجمل في القرآن.

وقد ذهب الحنفية إلى وجوب مسح ربع الرأس، وهو مقدار الناصية.

وذهب أصحابنا إلى أنه إنما يجب ما يطلق عليه اسم مسح، لا يتقدر ذلك بحدٍّ، بل لو مسح بعض شعره من رأسه أجزأه.

واحتج الفريقان بحديث المغيرة بن شعبة، قال: تخلف النبي صلى الله عليه وسلم فتخلفت معه، فلما قضى حاجته قال: "هل معك ماء؟ " فأتيته بمطهرة فغسل كفيه ووجهه، ثم ذهب يحسر عن ذراعيه فضاق كم الجبة، فأخرج يديه من تحت الجبة وألقى الجبة على منكبيه فغسل ذراعيه ومسح بناصيته، وعلى العمامة وعلى خفيه ... وذكر باقي الحديث، وهو في صحيح مسلم، وغيره (٣).

فقال لهم أصحاب الإمام أحمد: إنما اقتصر على مسح الناصية لأنه كمل مسح بقية الرأس على العمامة، ونحن نقول بذلك، وأنه يقع عن الموقع كما وردت بذلك أحاديث كثيرة، وأنه كان يمسح على العمامة وعلى الخفين، فهذا أولى، وليس لكم فيه دلالة على جواز الاقتصار على مسح الناصية أو بعض الرأس من غير تكميل على العمامة" (٤).

وقُرئ: {وَأَرْجُلَكُمْ}، بالنصب عطفا على: {فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ} (٥).

أخرج ابن ابي حاتم عن عِكَرِمة، عن ابن عباس؛ "أنه قرأها: {وَأَرْجُلَكُمْ} يقول: رجعت إلى الغسل" (٦). وروي عن عبد الله بن مسعود، وعُرْوَة، وعطاء، وعكرمة، والحسن، ومجاهد، وإبراهيم، والضحاك، والسُّدِّي، ومُقاتل بن حيان، والزهري، وإبراهيم التيمي، نحو ذلك (٧).

قال ابن كثير: " وهذه قراءة ظاهرة في وجوب الغسل، كما قاله السلف، ومن هاهنا ذهب من ذهب إلى وجوب الترتيب كما هو مذهب الجمهور، خلافا لأبي حنيفة حيث لم يشترط الترتيب" (٨).

قوله تعالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} [المائدة: ٦]، أي: " وإن أصابكم الحدث الأكبر فتطهروا بالاغتسال منه قبل الصلاة" (٩).


(١) انظر: صحيح البخاري برقم (١٨٥، ١٨٦) وصحيح مسلم برقم (٢٣٥) ..
(٢) حديث علي رواه أبو دواد في سننه برقم (١١١) وكذا حديث المقدام برقم (١٢١) وحديث معاوية برقم (١٢٤).
(٣)) صحيح مسلم برقم (٢٧٤).
(٤) تفسير ابن كثير: ٣/ ٤٩ - ٥٠.
(٥) انظر: تفسير ابن كثير: ٣/ ٥١.
(٦) كما في تفسير ابن كثير: ٣/ ٥١.
(٧) انظر: تفسير ابن كثير: ٣/ ٥١.
(٨) تفسير ابن كثير: ٣/ ٥١.
(٩) التفسير الميسر: ١٠٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>