للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والثالث: وقيل: " {فزادهم الله مرضا}، أي: نفاقا". قاله سعيد بن جبير (١).

قال الواحدي: "أى: شكًّا على شكٍّ وفسادَا على فساد. بما أنزل من القرآن، فشكّوا فيه كما شكّوا في الذي قبله كقوله تعالى: {وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ} الآية [التوبة: ١٢٤] " (٢).

واختلف في قوله تعالى {فَزادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً} [البقرة: ١٠]، على وجهين:

أحدهما: قيل هو خبر، والفاء للسبية، أي: أن الله قد فعل بهم ذلك وهذه الزيادة هي بما ينزل من الوحي ويظهر من البراهين، فهي على هؤلاء المنافقين عمى وكلما كذبوا زاد المرض (٣).

والثاني: وقيل هو دعاء، والفاء هنا للتفريغ، وتكون الجملة بعدها دعائية، أي: " زادهم الله شكا ونفاقا جزاء على كفرهم وضعفا عن الانتصار وعجزا عن القدرة" (٤).

كما قال الأخطل (٥):

يا مرسل الريح جنوبا وصبا ... إذ غضبت زيد فزدها غضبا

أي لا تهدها على الانتصار فيما غضبت منه.

قال القرطبي: " وعلى هذا يكون في الآية دليل على جواز الدعاء على المنافقين والطرد لهم ; لأنهم شر خلق الله " (٦)، ولأن المنافقين يريدون الكفر، وهذه الإرادة مرض أدى بهم إلى زيادة المرض؛ لأن الإرادات التي في القلوب عبارة عن صلاح القلوب، أو فسادها؛ فإذا كان القلب يريد خيراً فهو دليل على سلامته، وصحته؛ وإذا كان يريد الشر فهو دليل على مرضه، وعلته. وهؤلاء قلوبهم تريد الكفر؛ لأنهم يقولون لشياطينهم إذا خلوا إليهم: {إنا معكم إنما نحن مستهزئون} [البقرة: ١٤]، أي بهؤلاء المؤمنين السذج. على زعمهم. ويرون أن المؤمنين ليسوا بشيء، وأن العِلْية من القوم هم الكفار؛ ولهذا جاء التعبير بـ {إنا معكم} [البقرة: ١٤] الذي يفيد المصاحبة، والملازمة، فهذا مرض زادهم الله به مرضاً إلى مرضهم حتى بلغوا إلى موت القلوب، وعدم إحساسها، وشعورها (٧).

وقرأ حمزة: {فزادهم}، بكسر (الزاي)، وكذلك ابن عامر. وكان نافع يشم (الزاي) إلى الكسر، وفتح الباقون (٨).

وقوله: {وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [البقرة: ١٠]، "أي ولهم عذابٌ مؤلمٌ" (٩).

أخرج ابن أبي حاتم بسنده "عن أبي العالية، في قوله: {ولهم عذاب أليم}، قال: الأليم الموجع في القرآن كله" (١٠).

قال ابن أبي حاتم: " وكذلك فسره سعيد بن جعفر، والضحاك بن مزاحم، وقتادة وأبو مالك، وأبو عمران الجوني، ومقاتل بن حيان" (١١).

قال الثعلبي: أي: "وجيع يخلص وجعه إلى قلوبهم، وهو بمعنى مؤلم" (١٢).

قال القرطبي: " (أليم)، في كلام العرب معناه مؤلم أي موجع، مثل السميع بمعنى المسمع، قال ذو الرمة يصف إبلا (١٣):


(١) أنظر: تفسير ابن أبي حاتم (١١٨): ص ١/ ٤٤.
(٢) البسيط: ٢/ ١٥٠ - ١٥١.
(٣) ينظر: المحرر الوجيز، أبو محمد عبدالحق بن غالب بن عطية الأندلسي، دار الكتب العلية، لبنان، ط ١، ١٩٩٣: ١/ ٩٣.
(٤) تفسير القرطبي: ١/ ١٩٧.
(٥) ديوانه: ٣١٩.
(٦) تفسير القرطبي: ١/ ١٩٧.
(٧) أنظر: تفسير ابن عثيمين: ١/ ٤٧.
(٨) أنظر: المحرر الوجيز: ١/ ٩٢.
(٩) صفوة التفاسير: ١/ ٢٩.
(١٠) أنظر: تفسير ابن أبي حاتم (١١٩): ص ١/ ٤٤.
(١١) أنظر: تفسير ابن أبي حاتم: ص ١/ ٤٤.
(١٢) تفسير الثعلبي: ١/ ١٥٤.
(١٣) ديوانه: ٢/ ٦٧٧، قال الباهلي في شرحه: شمردلات: هي نوق طوال سراع، ويصكّ يضرب، ووهج، أي حرّ شديد.

<<  <  ج: ص:  >  >>