للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الفوائد:

١ من فوائد الآية: أن النفاق الذي هو إظهار الإسلام، وإبطان الكفر من الفساد في الأرض؛ لقوله تعالى: {وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض}؛ والنفاق من أعظم الفساد في الأرض.

٢ ومنها: أن من أعظم البلوى أن يُزَيَّن للإنسان الفساد حتى يَرى أنه مصلح؛ لقولهم: (إنما نحن مصلحون)

٣ ومنها: أن غير المؤمن نظره قاصر، حيث يرى الإصلاح في الأمر المعيشي فقط؛ بل الإصلاح حقيقة أن يسير على شريعة الله واضحاً صريحاً.

٤ ومنها: أنه ليس كل من ادعى شيئاً يصدق في دعواه؛ لأنهم قالوا: {إنما نحن مصلحون}؛ فقال الله تعالى: {ألا إنهم هم المفسدون}؛ وليس كل ما زينته النفس يكون حسناً، كما قال تعالى: {أفمن زُين له سوء عمله فرآه حسناً فإن الله يضل من يشاء ويهدي من يشاء} [فاطر: ٨].

القرآن

{أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ (١٢)} [البقرة: ١٢]

التفسير:

أَلا فانتبهوا أيها الناس، إن هذا الذي يعتمدونه ويزعمون أنه إصلاح هو عين الفساد (١)، وإِنهم هم المفسدون حقاً لا غيرهم، ولكنْ لا يفطنون ولا يحُسون، لانطماسِ نور الإِيمان في قلوبهم، ولجهلهم وبلادتهم وعدم فهمهم للأمور.

قوله تعالى: {أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ} [البقرة: ١٢]، " أي: أَلا فانتبهوا أيها الناس، إِنهم هم المفسدون حقاً لا غيرهم" (٢).

أخرج ابن أبي حاتم"عن أبي العالية في قوله: {ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون}، قال: هم المنافقون" (٣).

وهذا كقوله تعالى: {هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ} [المنافقون: ٤] أي هم لا غيرهم؛ فلا عداء أبلغ من عداء المنافقين للمؤمنين؛ ولا فساد أعظم من فساد المنافقين في الأرض (٤).

قال الزجاج: " (ألا) كلمة يبتدأ بها، ينبه بها المخاطب توكيدا، يدل على صحة ما بعدها" (٥).

قال الواحدي: "ودخلت الألف واللام في (المفسدين) للجنس، كأنه جعلهم جنس المفسدين تعظيماً لفسادهم، كأنه لا يعتد بفساد غيرهم مع فسادهم، وكل فساد يصغر في جنب فسادهم، حتى كان المفسد في الحقيقة هم دون غيرهم، وإن كان غيرهم قد يفسد" (٦).

قوله تعالى: {وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ} [البقرة: ١٢]، أي: " ولكنْ لا يفطنون ولا يحُسون، لانطماسِ نور الإِيمان في قلوبهم" (٧).

وقد ذكروا في قوله تعالى: {وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ} [البقرة: ١٢]، ثلاثة أوجه (٨):

أحدها: "أي: لا يعلمون أنهم مفسدون، بل يحسبون أنهم مصلحون.

والثاني: ولكن لا يعلمون ما عقوبة فعلهم وما يحل بهم. قاله الثعلبي (٩).


(١) ينظر: تفسير ابن كثير: ١/ ١٨١.
(٢) صفوة التفاسير: ١/ ١٣٠.
(٣) تفسير ابن أبي حاتم (١٢٥): ص ١/ ٤٥.
(٤) ينظر: تفسير ابن عثيمين: ١/ ٥٠.
(٥) معاني القرآن: ٤/ ٣٩٢.
(٦) التفسير البسيط: ٢/ ١٥٩ - ١٦٠. ولهذا جاء في هذِه الجملة عدة مؤكدات منها: الاستفتاح، والتنبيه والتأكيد بإنّ وبضمير الفصل، وتعريف الخبر. انظر "تفسير ابن عطية" ١/ ١٦٨، "الكشاف" ١/ ١٨١ "الدر المصون" ١/ ١٣٩.
(٧) صفوة التفاسير: ١/ ٣٠.
(٨) انظر: التفسير البسيط: ٢/ ١٦١، و"تفسير ابن عطية" ١/ ١٦٨، "تفسير البغوي" ١/ ٦٦، "زاد المسير" ١/ ٣٣، "تفسير القرطبي" ١/ ١٧٧ - ١٧٨.
(٩) انظر: تفسيره: ١/ ١٥٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>