للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فشبه الناقة بالوحشية ثم ذكر أنها مسبوعة مخذولة، ولا اختصاص للناقة بهذا الوصف.

والثاني: أنه شبه ما أتى الله الإنسان من المعاون التي هي سبب الحياة الأبدية بالصيب الذي فيه خياة كل ذي حياة، وما فيه من المشاق المبهمة والعوارض المشكلة بظلمات، وجمع الظلمات تنبيهاً على كثرة العوارض، وشبه ما فيه من الوعيد بالرعد، وما فيه من الآيات الباهرة بالبرق، ثم ذكر كل واحد من هذه الأشياء فقال: إذا سمعوا وعيداً تصاموا عنه كحال من تهوله الرعد فيخاف من صواعقه، فيسد أذنه عنها مع أنه لا خلاص لهم منها وهذا معنى قوله: " {الله محيط بالكافرين} " (١).

قوله تعالى: {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ} [البقرة: ٢٠]، أي: لو أراد الله" لأذهب سَمعَهم وأبصارَهم" (٢).

قال الشوكاني: ذهب بهما" بالزيادة في الرعد والبرق" (٣).

قال ابن عثيمين: " دون أن تحدث الصواعق، ودون أن يحدث البرق" (٤).

قال الصابوني: "أي: لو أراد الله لزاد في قصف الرعد فأصمهم وذهب بأسماعهم، وفي ضوء البرق فأعماهم وذهب بأبصارهم" (٥).

قال الراغب: تنبيه" على أنهم يصرفون أسماعهم وأبصارهم عما فيه نجاتهم وتأمل ما فيه صلاحهم وإنما جعل الله لهم السمع والأبصار لينفعهم ولو شاء الله لجعلهم بالحالة التي أنفسهم عليها يسدهما وتعطيلهما، وذلك تنبيه على أنه إنما أعطاهم هذه الآلات لينتفعوا بها" (٦).

قال أبو العالية: " ذكر أسماعهم وأبصارهم التي عاثوا بها في الناس" (٧).

قال القرطبي: " ولو شاء الله لأطلع المؤمنين عليهم فذهب منهم عز الإسلام بالاستيلاء عليهم وقتلهم وإخراجهم من بينهم. وخص السمع والبصر لتقدم ذكرهما في الآية أولا، أو لأنهما أشرف ما في الإنسان" (٨).

وقرى {بأسماعهم}، على الجمع (٩).

قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [البقرة: ٢٠]، " أي: لا يعتريه عجز في كل شيء فعله" (١٠).

قال محمد بن إسحاق: " أي: إن الله على كل ما أراد بعباده من نقمة أو عفو قدير" (١١).

قال ابن عباس: " أي لما تركوا من الحق بعد معرفته، إن الله على كل شيء قدير" (١٢).

قال ابن عثيمين: "فهو قادر على أن يُذهب السمع والبصر بدون أسباب: فيذهب السمع بدون صواعق، والبصر بدون برق" (١٣).

قال القرطبي: " وأجمعت الأمة على تسمية الله تعالى بالقدير، فهو سبحانه قدير قادر مقتدر" (١٤).

قال الطبري: " وإنما وصف الله نفسه جل ذكره بالقدرة على كل شيء في هذا الموضع، لأنه حذر المنافقين بأسه وسطوته وأخبرهم أنه بهم محيط وعلى إذهاب أسماعهم وأبصارهم قدير، ثم قال: فاتقوني أيها المنافقون واحذروا خداعي وخداع رسولي وأهل الإيمان بي لا أحل بكم نقمتي فإني على ذلك وعلى غيره من


(١) تفسير الراغب الأصفهاني: ١/ ١٠٨ - ١٠٩.
(٢) تفسير الطبري: ١/ ٣٦٠.
(٣) الفتح القدير: ١/ ٤٩.
(٤) تفسير ابن عثيمين: ١/ ٦٩.
(٥) صفوة التفاسير: ١/ ٣١.
(٦) تفسير الراغب الأصفهاني: ١/ ١٠٩.
(٧) أخرجه ابن أبي حاتم (٢١٢): ص ١/ ٥٩.
(٨) تفسير القرطبي: ١/ ٢٢٤.
(٩) أنظر: تفسير القرطبي: ١/ ٢٢٤.
(١٠) تفسير ابن عثيمين: ١/ ٣٥٨.
(١١) أخرجه ابن أبي حاتم (٢١٤): ص ١/ ٥٩.
(١٢) أخرجه ابن أبي حاتم (٢١٣): ص ١/ ٥٩.
(١٣) تفسير ابن عثيمين: ١/ ٦٩.
(١٤) تفسير القرطبي: ١/ ٢٢٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>