للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإن قال قائل: ما ذكرتم من كراهية السؤال والنهي عنه، يعارضه قوله تعالى: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [النحل: ٤٣، الانبياء: ٧]؟

فالجواب، أن هذا الذي أمر الله به عباده هو ما تقرر وثبت وجوبه مما يجب عليهم العمل به، والذي جاء فيه النهي هو ما لم يتعبد الله عباده به، ولم يذكره في كتابه" (١).

وقد روي عن عامر بن سعد، عن أبيه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن أعظم المسلمين في المسلمين جرما، من سأل عن شيء لم يحرم على المسلمين، فحرم عليهم من أجل مسألته» (٢).

قال الخطابي: هذا في مسالة من يسأل عبثاً وتكلفاً فيما لا حاجة به إليه، دون من سأل سؤال حاجة وضرورة كمسألة بني إسرائيل في شأن البقرة. وذلك أن الله سبحانه أمرهم أن يذبحوا بقرة، فلو استعرضوا البقر، فذبحوا منها بقرة لأجزأتهم. كذلك قال ابن عباس رضي الله عنه في تفسير الآية، فما زالوا يسألون ويتعنتون حتى غلظت عليهم وأمروا بذبح البقرة على النعْت الذي ذكره الله في كتابه، فعظمت عليهم المؤنة، ولحقتهم المشقة في طلبها حتى وجدوها فاشتروها بالمال الفادح فذبحوها وما كادوا يفعلون.

وأما ما كان سؤاله استبانة لحكم واجب، واستفادة لعلم قد خفي عليه فإنه لا يدخل في هذا الوعيد، وقد قال الله سبحانه: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [الأنبياء: ٧].

وقد يحتج بهذا الحديث من يذهب من أهل الظاهر إلى أن أصل الأشياء قبل ورود الشرع بها على الإباحة حتى يقوم دليل على الحظر. وإنما وجه الحديث وتأويله ما ذكرناه، والله أعلم" (٣).

الفوائد:

١ - ضرب الامثال بالأمم السابقين حتى نقتنع بانه لا ينبغي لنا ان نسأل، لأن غيرنا سأل وكفر.


(١) تفسير القرطبي: ٦/ ٣٣٤ - ٣٣٥.
(٢) أخرجه البخاري (٧٢٨٩)، ومسلم (٢٣٥٨)، وهو في "مسند أحمد" (١٥٤٥)، وسنن ابي داود (٤٦١٠): ص ٧/ ١٩ - ٢٠، و"صحيح ابن حبان" (١١٠).
(٣) معالم السنن: ٢/ ٢٧٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>