للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال الواحدي: "فإن قيل: كيف قال: {وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ}، والماء ينزل من السحاب؟ قيل: هذا من باب حذف المضاف، والتقدير: من نحو السماء، كقول الشاعر (١):

أَمِنْكِ بَرْقٌ أَبِيتُ اللَّيْلَ أَرْقُبُهُ ... كَأنَّه في عِرَاضِ الشَّأْمِ مِصْباحُ

أي: من نَاحِيَتِك، ومثله كثير. وإن جعلت السماء بمعنى (السحاب) (٢) لم يكن من باب حذف المضاف" (٣).

قوله تعالى: {فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثمرات رِزْقاً لَّكُمْ} [البقرة: ٢٢]، أي: أي: " فأخرج بذلك المطر مما أنبتوه في الأرض من زرعهم وغَرْسهم ثمرات" (٤).

قال الصابوني: "أي: فأخرج بذلك المطر أنواع الثمار والفواكه والخضار " (٥).

قوله تعالى: {رِزْقاً لَّكُمْ} [البقرة: ٢٢]، أي: " عطاء لكم" (٦).

قال الصابوني: أي: " غذاءً لكم" (٧).

قال الطبري: "غذاءً وأقواتًا" (٨).

فنبههم الله تعالى بذلك على قدرته وسُلطانه، وذكَّرهم به آلاءَه لديهم، وأنه هو الذي خلقهم، وهو الذي يَرزقهم ويكفُلُهم، دون من جعلوه له نِدًّا وعِدْلا من الأوثان والآلهة، ثم زَجَرهم عن أن يجعلوا له ندًّا، مع علمهم بأن ذلك كما أخبرهم، وأنه لا نِدَّ له ولا عِدْل، ولا لهم نافعٌ ولا ضارٌّ ولا خالقٌ ولا رازقٌ سِواه (٩).

قوله تعالى: {فَلا تَجْعَلُوا للَّهِ أَندَاداً} [البقرة: ٢٢]، أي: لا تُصَيِّروا لله نظراء ومشابهين في العبادة (١٠).

قال الصابوني: "أي فلا تتخذوا معه شركاء من الأصنام والبشر تشركونهم مع الله في العبادة" (١١).

قال أبو إسحاق: "هذا احتجاج عليهم لإقرارهم بأن الله خالقهم، فقيل لهم: لا تجعلوا لله أمثالًا وأنتم تعلمون أنهم لا يخلقون والله الخالق" (١٢).

وقال ابن زيد: " الأنداد: الآلهة التي جعلوها معه، وجعلوا لها مثل ما جعلوا له" (١٣).

روي عن عكرمة: " {فلا تجعلوا لله أندادًا}، أن تقولوا: لولا كلبنا لَدَخل علينا اللصّ الدارَ، لولا كلبنا صَاح في الدار، ونحو ذلك" (١٤).

وعن ابن عباس في قوله: فلا تجعلوا لله أندادا قال: الأنداد هو الشرك أخفى من دبيب النمل على صفاة سوداء، في ظلمة الليل. وهو أن يقول: والله، وحياتك يا فلانة، وحياتي. ويقول: لولا كلبه هذا لأتانا اللصوص، ولولا البط في الدار لأتى اللصوص. وقول الرجل لصاحبه:

ما شاء الله وشئت، وقول الرجل: لولا الله وفلان. لا تجعل فيها فلان، فإن هذا كله به شرك" (١٥).

وذكر أهل التفسير في قوله تعالى: {فَلا تَجْعَلُوا للهِ أنْداداً} [البقرة: ٢٢]، ثلاثة تأويلات (١٦):

أحدها: أنَّ الأنداد الأكْفَاءُ، وهذا قول ابن مسعود (١٧).


(١) البيت لأبي ذؤيب الهذلي، قوله: (أمنك برق) أي: من نحو منزلك، من الشق الذي أنت به، (عراض الشأم) نواحيها. انظر "شرح أشعار الهذليين" للسكري ١/ ١٦٧، "شرح الأبيات المشكلة الإعراب" الفارسي ص ٣٦٤.
(٢) انظر: "تفسير الثعلبي" ١/ ٥٦ ب، "تفسير ابن عطية" ١٩٩، "تفسير البيضاوي" ١/ ١٤، والخازن ١/ ٧٦، "تفسير أبي السعود" ١/ ٦١، "الفتوحات الإلهية" ١/ ٢٦.
(٣) التفسير البسيط: ٢/ ٢٢٧.
(٤) تفسير الطبري: ١/ ٣٦٧.
(٥) صفوة التفاسير: ١/ ٣٥.
(٦) تفسير ابن عثيمين: ١/ ٧٦.
(٧) صفوة التفاسير: ١/ ٣٥.
(٨) تفسير الطبري: ١/ ٣٦٧.
(٩) أنظر: تفسير الطبري: ١/ ٣٦٧ - ٣٦٨.
(١٠) أنظر: تفسير ابن عثيمين: ١/ ٧٦.
(١١) صفوة التفاسير: ١/ ٣٥.
(١٢) معاني القرآن" للزجاج ١/ ٦٥.
(١٣) أخرجه الطبري (٤٨٣): ص ١/ ٣٦٩.
(١٤) أخرجه الطبري (٤٨٥): ص ١/ ٣٦٩.
(١٥) أخرجه ابن أبي حاتم (٢٢٩): ص ١/ ٦٢.
(١٦) أنظر: النكت والعيون: ١/ ٨٣.
(١٧) أنظر: أنظر: تفسير الطبري (٤٨٢): ص ١/ ٣٨٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>