للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد جعلتْ نفسي تطيب لضَغْمَةٍ ... لضَغْمِهِماها يقرَعُ العظمُ نابُها

ضغمة: عضة، أراد بها الشدة.

٤ - وقد تأتي زائدة، كما قال الآخر:

وقد جعلت أرى الاثنين أربعة ... والواحد اثنين لما هدني الكبر

وقد قيل في قوله تعالى {وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ}: إنها زائدة، وجعل واجتعل بمعنى واحد، قال بشر بن أبي خازم (١):

ناط أمر الضعاف واجتعل الليـ ... ـل كحبل العاديّة الممدود

أي: يسير الليل كله لا ينثني.

قال الواحدي: " الأرض فراش الأنام على معنى أنها فرشت لهم، أي: بسطت، وهذا كقوله: {وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ بِسَاطًا} [نوح: ١٩] والمعنى أنه لم يجعلها حزنة غليظة لا يمكن الاستقرار عليها" (٢).

قال ابن عثيمين: " هذا من باب تعديد أنواع من مخلوقاته عزّ وجلّ؛ جعل الله لنا الأرض فراشاً مُوَطَّأة يستقر الإنسان عليها استقراراً كاملاً مهيأة له يستريح فيها. ليست نشَزاً؛ وليست مؤلمة عند النوم عليها، أو عند السكون عليها، أو ما أشبه ذلك؛ والله تعالى قد وصف الأرض بأوصاف متعددة: وصفها بأنها فراش، وبأنها ذلول، وبأنها مهاد" (٣).

قوله تعالى: {والسماء بِنَآءً} [البقرة: ٢٢]، " أي وسقفاً للأرض مرفوعاً فوقها كهيئة القبة" (٤).

قال ابن مسعود: " فبناءُ السماء على الأرض كهيئة القبة، وهي سقف على الأرض" (٥).

وقال قتادة: " جعل السماء سَقفًا لكَ" (٦).

وإنما سُميت السماءُ سماءً لعلوها على الأرض وعلى سُكانها من خلقه، وكل شيء كان فوق شيء آخرَ فهو لما تحته سَمَاءٌ. ولذلك قيل لسقف البيت: سَمَاوةٌ (١)، لأنه فوقه مرتفعٌ عليه. ولذلك قيل: سَمَا فلان لفلان، إذا أشرف له وقَصَد نحوه عاليًا عليه، كما قال الفرزدق (٧):

سَمَوْنَا لِنَجْرَانَ الْيَمَانِي وَأَهْلِهِ ... وَنَجْرَانُ أَرْضٌ لَمْ تُدَيَّثْ مَقَاوِلُهْ

وكما قال نابغة بني ذُبيانَ (٨):

سَمَتْ لِي نَظْرَةٌ، فَرَأيتُ مِنْهَا ... تُحَيْتَ الْخِدْرِ وَاضِعَةَ الْقِرَامِ

يريد بذلك: أشرفتْ لي نظرةٌ وبدت، فكذلك السماء سُميت للأرض: سماءً، لعلوها وإشرافها عليها (٩).

قوله تعالى: {وَأَنزَلَ مِنَ السمآء مَآءً} [البقرة: ٢٢]، أي: " أنزل من السماء مطرًا" (١٠).

قال الصابوني: "أي: مطراً عذباً فراتاً أنزله بقدرته من السحاب" (١١).


(١) شرح المفضليات: ٦٤٢. ناط: حمل وكفى، العادية: البئر القديمة.
(٢) التفسير البسيط: ٢/ ٢٢٤، وانظر: "تفسير الطبري" ١/ ١٦١ - ١٦٢، "تفسير ابن عطية" ١/ ١٩٨، "تفسير القرطبي" ١/ ١٩٧.
(٣) تفسير ابن عثيمين: ١/ ٧٦.
(٤) صفوة التفاسير: ١/ ٣٥.
(٥) أخرجه الطبري (٤٧٨): ص ١/ ٣٦٧.
(٦) أخرجه الطبري (٤٧٩): ص ١/ ٣٦٧.
(٧) ديوانه: ٧٣٥، والنقائض: ٦٠٠. ونجران: أرض في مخاليف اليمن من ناحية مكة. وذكر نجران، على لفظه وأصل معناه، والنجران في كلام العرب: الخشبة التي يدور عليها رتاج الباب. وديث البعير: ذلله بعض الذل حتى تذهب صعوبته. والمقاول: جمع مقول. والمقول والقيل: الملك من ملوك حمير. يقول: هي أرض عز عزيز، لم يلق ملوكها ضيما يذلهم ويحني هاماتهم.
(٨) ديوانه: ٨٦، وروايته: " صفحت بنظرة ". وقوله " صفحت "، أي تصفحت الوجوه بنظرة، أو رميت بنظرة متصفحًا. والقرام: ستر رقيق فيه رقم ونقوش. والخدر: خشبات تنصب فوق قتب البعير مستورة بثوب، وهو الهودج. ووضع الشيء: ألقاه. وتحيت: تصغير " تحت "، وصغر " تحت "، لأنه أراد أن ستر الخدر بعد وضع القرام لا يبدى منها إلا قليلا، وهذا البيت متعلق بما قبله وما بعده. وقبله: فَلَوْ كَانَتْ غَدَاةَ الْبَيْنِ مَنَّتْ ... وَقَدْ رَفَعُوا الْخُدُورَ عَلَى الْخِيَامِ
صَفَحْتُ بنظرةٍ. . . . ... . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
تَرَائِبَ يستضئُ الحليُ فيها ... كَجمْرِ النارِ بُذِّرَ فِي الظَّلامِ
(٩) أنظر: تفسير الطبري: ١/ ٣٦٦.
(١٠) تفسير الطبري: ١/ ٣٦٧.
(١١) صفوة التفاسير: ١/ ٣٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>