للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الفوائد:

١ من فوائد الآية: أن من عارض القرآن فإن مأواه النار؛ لقوله تعالى: (فاتقوا النار)

٢ ومنها: أن الناس وقود للنار كما توقد النار بالحطب؛ فهي في نفس الوقت تحرقهم، وهي أيضاً توقد بهم؛ فيجتمع العذاب عليهم من وجهين.

٣ ومنها: إهانة هؤلاء الكفار بإذلال آلهتهم، وطرحها في النار. على أحد الاحتمالين في قوله تعالى:

{الحجارة}؛ لأن من المعلوم أن الإنسان يغار على من كان يعبده، ولا يريد أن يصيبه أذًى؛ فإذا أحرق هؤلاء المعبودون أمام العابدين فإن ذلك من تمام إذلالهم، وخزيهم.

٤ ومنها: أن النار موجودة الآن؛ لقوله تعالى: {أعدت}؛ ومعلوم أن الفعل هنا فعل ماض؛ والماضي يدل على وجود الشيء؛ وهذا أمر دلت عليه السنة أيضاً؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم عُرضت عليه الجنة، والنار، ورأى أهلها يعذبون فيها: رأى عمرو بن لحيّ الخزاعي يجر قصبه. أي أمعاءه. في النار؛ ورأى المرأة التي حبست الهرة حتى ماتت جوعاً: فلم تكن أطعمتها، ولا أرسلتها تأكل من خشاش الأرض؛ ورأى فيها صاحب المحجن. الذي كان يسرق الحُجَّاج بمحجنه. يعذب: وهو رجل معه محجن. أي عصا محنية الرأس. كان يسرق الحُجاج بهذا المحجن؛ إذا مر به الحجاج جذب متاعهم؛ فإن تفطن صاحب الرحل لذلك ادعى أن الذي جذبه المحجن؛ وإن لم يتفطن أخذه؛ فكان يعذب. والعياذ بالله. بمحجنه في نار جهنم (١).

مسألة:

هل النار باقية؛ أو تفنى؟ ذكر بعض العلماء إجماع السلف على أنها تبقى، ولا تفنى؛ وذكر بعضهم خلافاً عن بعض السلف أنها تفنى؛ والصواب أنها تبقى أبد الآبدين؛ والدليل على هذا من كتاب الله عزّ وجلّ في ثلاث آيات من القرآن: في سورة النساء، وسورة الأحزاب، وسورة الجن؛ فأما الآية التي في النساء فهي قوله تعالى: {إن الذين كفروا وظلموا لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم طريقاً * إلا طريق جهنم خالدين فيها أبداً} [النساء: ١٦٨، ١٦٩]؛ والتي في سورة الأحزاب قوله تعالى: {إن الله لعن الكافرين وأعد لهم سعيراً * خالدين فيها أبداً} [الأحزاب: ٦٤، ٦٥]؛ والتي في سورة الجن قوله تعالى: {ومن يعص الله ورسوله فإن له نار جهنم خالدين فيها أبداً} [الجن: ٢٣]؛ وليس بعد كلام الله كلام؛ حتى إني أذكر تعليقاً لشيخنا عبد الرحمن بن سعدي رحمه الله على كتاب "شفاء العليل" لابن القيم؛ ذكر أن هذا من باب: "لكل جواد كبوة؛ ولكل صارم نبوة". وهو صحيح؛ كيف إن المؤلف رحمه الله يستدل بهذه الأدلة على القول بفناء النار مع أن الأمر فيها واضح؟ ! غريب على ابن القيم رحمه الله أنه يسوق الأدلة بهذه القوة للقول بأن النار تفنى! وعلى كل حال، كما قال شيخنا في هذه المسألة: "لكل جواد كبوة؛ ولكل صارم نبوة"؛ والصواب الذي لا شك فيه. وهو عندي مقطوع به. أن النار باقية أبد الآبدين؛ لأنه إذا كان يخلد فيها تخليداً أبدياً لزم أن تكون هي مؤبدة؛ لأن ساكن الدار إذا كان سكونه أبدياً لابد أن تكون الدار أيضاً أبدية.

وأما قوله تعالى في أصحاب النار: {خالدين فيها ما دامت السموات والأرض إلا ما شاء ربك} [هود: ١٠٧] فهي كقوله تعالى في أصحاب الجنة: {خالدين فيها ما دامت السموات والأرض إلا ما شاء ربك} [هود: ١٠٨] لكن لما كان أهل الجنة نعيمهم، وثوابهم فضلاً ومنَّة، بيَّن أن هذا الفضل غير منقطع، فقال تعالى: {عطاءً غير مجذوذ} [هود: ١٠٨]؛ ولما كان عذاب أهل النار من باب العدل، والسلطان المطلق للرب عزّ وجلّ قال تعالى في آخر الآية: {إن ربك فعال لما يريد} [هود: ١٠٧]؛ وليس المعنى: {إن ربك فعال لما يريد} [هود: ١٠٧] أنه سوف يخرجه من النار، أو سوف يُفني النار.

٥ ومن فوائد الآية: أن النار دار للكافرين؛ لقوله تعالى: {أعدت للكافرين}؛ وأما من دخلها من عصاة المؤمنين فإنهم لا يخلدون فيها؛ فهم فيها كالزوار؛ لا بد أن يَخرجوا منها؛ فلا تسمى النار داراً لهم؛ بل هي دار للكافر فقط؛ أما المؤمن العاصي. إذا لم يعف الله عنه. فإنه يعذب فيها ما شاء الله، ثم يخرج منها إما بشفاعة؛ أو بمنة من الله وفضل؛ أو بانتهاء العقوبة.


(١) راجع مسلم ص ٨١٩ – ٨٢٠، كتاب الكسوف، باب ٣: ما عرض على النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة الكسوف من أمر الجنة والنار، حديث رقم ٢١٠٠ [٩] ٩٠٤؛ وراجع مسلم ص ١١٧٣، كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، باب ١٣: النار يدخلها الجبارون والجنة يدخلها الضعفاء، حديث رقم ٧١٩٢ [٥٠] ٢٨٥٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>