للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

١ - أن الجنة عبارة عن جسم، وكل جسم لابد أن يكون له حدود تحده، ينتج من ذلك أن الجنة لها حدود تحدها، وتلك الحدود بينها لنا القرآن والسنة المطهرة.

٢ - وعند بياننا لحد الجنة من العلو، فنقف عند حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي يقول فيه: (سقف الجنة عرش الرحمن) (١)، فنفهم من هذا الحديث الشريف أن حدود الجنة من جهة الأعلى هو عرش الرحمن، يعني ذلك أن مكان الجنة تحت العرش.

٣ - وأما عند ذكرنا لحد الجنة من جهة السفل، فنقف عند قول الله تعالى: {فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ} (الحديد: ١٣)، فهذه الآية الكريمة أخذت على عاتقها بيان حد الجنة من جهة السفل، وفي ذلك يقول الإمام الطبري: "وقد قيل: إن ذلك السور ببيت المقدس عند وادي جهنم .. حدثنا ابن البرقي، قال: ثنا عمرو بن أبي سلمة، عن سعيد بن عطية بن قيس، عن أبي العوّام مؤذّنِ بيت المقدس، قال: سمعت عبد الله بن عمرو بن العاص يقول: إن السور الذي ذكره الله في القرآن: (فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ) هو السور الشرقيّ، باطنه المسجد، وظاهره وادي جهنم" (٢).

ويقول القرطبي: "والسور حاجز بين الجنة والنار. وروي أن ذلك السور ببيت المقدس عند موضع يعرف بوادي جهنم. (باطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ) يعني ما يلي منه المؤمنين (وَظاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذابُ) يعني ما يلي المنافقين. قال كعب الأحبار: هو الباب الذي ببيت المقدس المعروف بباب الرحمة. وقال عبد الله بن عمرو: إنه سور بيت المقدس الشرقي باطنه فيه المسجد (وَظاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذابُ) يعني جهنم. ونحوه عن ابن عباس. وقال زياد بن أبي سوادة: قام عبادة ابن الصامت على سور بيت المقدس الشرقي فبكى، وقال: من ها هنا أخبرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه رأى جهنم" (٣).

من خلال هذه المقدمات الثلاث يمكننا أن نحدد مكاناً للجنة، فالمقدمة الثانية بينت لنا أن سقف الجنة هو عرش الرحمن، فهذا حدها من جهة العلو الذي ثبت بالحديث الشريف، وحدها من جهة السفل عند سور ببيت المقدس عند موضع يعرف بوادي جهنم، كما ثبت ذلك بأقوال المفسرين للآية القرآنية السابقة.

وللجنة أسماء كثيرة مبثوثة الذكر في كتاب الله تعالى، وكثرة هذه الأسماء تدل على شرف المسمى في الغالب، وكانت على النحو الآتي:

- الجنة: وهو أشهر أسمائها، وقد ورد ذكره بقوله تعالى: {لا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ} (الحشر: ٢٠).

- دار السلام: وقد ورد ذكره بقوله تعالى: {لَهُمْ دَارُ السَّلامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ} (الأنعام: ١٢٧).

- دار المتقين: وقد ورد ذكره بقوله تعالى: {وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ} (النحل: ٣٠).

- دار الآخرة: وقد ورد ذكره بقوله تعالى: {وَلَدَارُ الآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا أَفَلا تَعْقِلُونَ} (يوسف: ١٠٩).

- الحسنى: وقد ورد ذكره بقوله تعالى: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} (يونس: ٢٦).

- دار المقامة: ورد ذكره بقوله تعالى: {الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِنْ فَضْلِهِ} (فاطر: ٣٥).

ويذكر اللقاني بعض أسمائها، فيقول: "أوسطها وأفضلها الفردوس، وهو أعلاها، وفوقها عرش الرحمن، ومنها تنفجر أنهار الجنة - كما جاء في الحديث (٤)، وجنة المأوى، وجنة الخلد، وجنة النعيم، وجنة عدن، ودار السلام، ودار الخلد" (٥)، لقد ذكر اللقاني أسماء الجنة التي ترغب في طلبها، لما لهذه الأسماء من مزيد حب في نفس طلابها، لدلالة هذه الأسماء على الخلود والإقامة والراحة والدعة.


(١) صحيح البخاري، كتاب التوحيد، باب: وكان عرشه على الماء ٦/ ٢٧٠٠، حديث رقم: ٦٩٨٧.
(٢) الطبري، محمد بن جرير، جامع البيان في تأويل القرآن، تحقيق: أحمد شاكر، مؤسسة الرسالة، ط ١، ١٤٢٠ هـ-٢٠٠٠ م، ج ٢٣ ص ١٨٣.
(٣) القرطبي، محمد بن أحمد، الجامع لأحكام القرآن، تحقيق: أحمد البردوني وإبراهيم أطفيش، دار الكتب المصرية – القاهرة، ط ٢، ١٣٨٤ هـ-١٩٦٤ م، ج ١٧ ص ٢٤٦.
(٤) صحيح البخاري، كتاب التوحيد، باب: وكان عرشه على الماء ٦/ ٢٧٠٠، حديث رقم: ٦٩٨٧.
(٥) انظر: اللقاني، هداية المريد لجوهرة التوحيد، ص ١١٠٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>