للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

١ من فوائد الآية: أن نقض عهد الله من الفسق؛ لقوله تعالى: {الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه} فكلما رأيت شخصاً قد فرط في واجب، أو فعل محرماً فإن هذا نقض للعهد من بعد الميثاق.

٢ ومنها: التحذير من نقض عهد الله من بعد ميثاقه؛ لأن ذلك يكون سبباً للفسق.

٣ ومنها: التحذير من قطع ما أمر الله به أن يوصل من الأرحام. أي الأقارب. وغيرهم؛ لأن الله ذكر ذلك في مقام الذم؛ وقطع الأرحام من كبائر الذنوب؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم لا يدخل الجنة قاطع" (١)، يعني قاطع رحم.

٤ ومنها: أن المعاصي والفسوق سبب للفساد في الأرض، كما قال تعالى: {ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون} [الروم: ٤١]؛ ولهذا إذا قحط المطر، وأجدبت الأرض، ورجع الناس إلى ربهم، وأقاموا صلاة الاستسقاء، وتضرعوا إليه سبحانه وتعالى، وتابوا إليه، أغاثهم الله عزّ وجلّ؛ وقد قال نوح عليه السلام لقومه: {فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفاراً * يرسل السماء عليكم مدراراً * ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لهم أنهاراً} [نوح: ١٠. ١٢].

فإن قال قائل: أليس يوجد في الأرض من هم صلحاء قائمون بأمر الله مؤدون لحقوق عباد الله ومع ذلك نجد الفساد في الأرض؟

فالجواب: أن هذا الإيراد أوردته أم المؤمنين زينب رضي الله عنها على النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال: "ويل للعرب من شر قد اقترب قالت: أنهلك وفينا الصالحون؟ ! قال صلى الله عليه وسلم: "نعم، إذا كثر الخبث" (٢)؛ وقوله صلى الله عليه وسلم "إذا كثر الخبث" يشمل معنيين: .

أحدهما: أن يكثر الخبث في العاملين بحيث يكون عامة الناس على هذا الوصف.

والثاني: أن يكثر فعل الخبث بأنواعه من فئة قليلة، لكن لا تقوم الفئة الصالحة بإنكاره؛ فمثلاً إذا كثر الكفار في أرض كان ذلك سبباً للشر، والبلاء؛ لأن الكفار نجس؛ فكثرتهم كثرة خبث؛ وإذا كثرت أفعال المعاصي كان ذلك سبباً أيضاً للشر، والبلاء؛ لأن المعاصي خبث.

٥ ومن فوائد الآية: أن هؤلاء الذين اعترضوا على الله فيما ضرب من الأمثال، ونقضوا عهده، وقطعوا ما أمر الله به أن يوصل، وأفسدوا في الأرض هم الخاسرون. وإن ظنوا أنهم يحسنون صنعاً.

القرآن

{كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٢٨)} [البقرة: ٢٨]

التفسير:

كيف تجحدون وجود الله أو تعبدون معه غيره، وقد كنتم عدماً في أصلاب آبائكم لا تُعرفون ولا تُذكرون، فأخرجكم إلى الوجود وأنعم عليكم بأصناف النعم، ثم يميتكم عند استكمال آجالكم، ثم يحييكم حين يبعثكم، ثم اليه ترجعون فيجازيكم الجزاء الأوفى.

قوله تعالى: {كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ} [البقرة: ٢٨]، أي: " كيف تجحدون الخالق، وتنكرون الصانع" (٣).

قال السعدي: " أي: كيف يحصل منكم الكفر بالله" (٤).

قوله تعالى {كَيْفَ تَكْفُرُونَ بالله} [٢٨]، في التعبير بـ (كيف) قولان (٥):

أحدهما: أنه استفهام في معنى التعجب، وهذا التعجب للمؤمنين، أي: اعجبوا من هؤلاء كيف يكفرون، وقد ثبتت حجة الله عليهم، قاله ابن قتيبة (٦)، والزجاج (٧).


(١) أخرجه البخاري ص ٥٠٧، كتاب الأدب، باب ١١: إثم القاطع، حديث رقم ٥٩٨٤؛ وأخرجه مسلم ص ١١٢٦، كتاب البر والصلة، باب ٦: صلة الرحمن وتحريم قطيعتها، حديث رقم ٦٥٢٠ [١٨] ٢٥٥٦.
(٢) أخرجه البخاري ص ٢٧١، كتاب أحاديث الأنبياء، باب ٧: قصة يأجوج ومأجوج، حديث رقم ٣٣٤٦؛ وأخرجه مسلم ص ١١٧٦ – ١١٧٧، كتاب الفتن وأشراط الساعة، باب ١: اقتراب الفتن وفتح ردم يأجوج ومأجوج، حديث رقم ٧٢٣٥ [١] ٢٨٨٠.
(٣) صفوة التفاسير: ١/ ٣٩.
(٤) تفسير السعدي: ١/ ٤٨.
(٥) انظر: تفسير الطبري: ١/ ٤٢٧، وتفسير القرطبي: ١/ ٢٤٨.
(٦) انظر: تأويل مشكل القرآن: ٢٧٨.
(٧) أنظر: معاني القرآن: ١/ ١٠٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>