للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال الواحدي: " والقوم نقصوا بكفرهم راحة أنفسهم التي كانت لهم لو آمنوا، فاستحقوا العقوبة وفاتتهم المثوبة" (١).

قال المراغي: "لأن إفسادهم لما عمّ العقائد والأخلاق بفقد هداية الفطرة وهداية الدين، استحقوا الخزي في الدنيا بحرمان السعادة الجسمية والعقلية والخلقية، والعذاب الأليم في الآخرة، ومن خسر السعادتين كان في خسران مبين" (٢).

قال ابن عثيمين: " (الخاسر)، هو الذي فاته الربح؛ وذلك؛ لأن هؤلاء فاتهم الربح الذي ربحه من لم ينقض عهد الله من بعد ميثاقه، ولم يقطع ما أمر الله به أن يوصل" (٣).

وفي تفسير قوله تعالى: {أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} [البقرة: ٢٧]، خمسة أوجه" (٤).

أحدها: قيل: أولئك هم الهالكون (٥).

والثاني: قيل: أنهم الخاسرون في الآخرة، وهذا كما قال تعالى: {أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ} [الرعد: ٢٥].

والثالث: وقيل: أنهم الخاسرون في الدنيا والآخرة، فحصر الخسارة فيهم، لأن خسرانهم عام في كل أحوالهم، ليس لهم نوع من الربح، لأن كل عمل صالح شرطه الإيمان، فمن لا إيمان له لا عمل له، وهذا الخسار هو خسار الكفر (٦).

والرابع: وقيل: أن كل شيء نسبه الله إلى غير أهل الإسلام من اسم مثل (خاسر)، فإنما يعني به الكفر، وما نسبه إلى أهل الإسلام، فإنما يعني به الذنب (٧). قاله ابن عباس (٨).

والخامس: وقيل: هم الناقصون أنفسهم وحظوظهم بمعصيتهم الله من رحمته، كما يخسر الرجل في تجارته بأن يوضع من رأس ماله في بيعه، وكذلك الكافر والمنافق خسر بحرمان الله إياه رحمته التي خلقها لعباده في القيامة أحوج ما كانوا إلى رحمته، يقال منه: خسر الرجل يخسر خَسْرًا وخُسْرانًا وخَسارًا، كما قال جرير بن عطية (٩):

إن سَلِيطًا في الخَسَارِ إنَّه ... أولادُ قَومٍ خُلقُوا أقِنَّه

فقوله (في الخَسَارِ) أي فيما يوكسهم من حظوظهم من الشرف والكرم، فقيل للهالك: خاسر، لأنه خسر نفسه وأهله يوم القيامة ومنع منزله من الجنة (١٠).

وهذا القول الأخير أشيه بالصواب ورجّحه ابن جرير (١١)، لأن أصل الخسران هو نقصان مال التاجر من ربح أو رأس مال، وأكبر الخسارة غبن الإنسان بحظوظه من خالقه جل وعلا، وقد أقسم الله أنه لا ينجو منه أحد إلا بشروط معينة منصوصة في كتاب الله فقال تعالى {وَالْعَصْرِ (١) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (٢) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (٣)} [العصر: ١ - ٣].

الفوائد:


(١) التفسير البسيط: ٢/ ٢٨٨.
(٢) تفسير المراغي: ١/ ٦٩.
(٣) تفسير ابن عثيمين: ١/ ١٠٣.
(٤) انظر: تفسير الطبري: ١/ ٤١٧، وتفسير ابن كثير: ١/ ٢١١.
(٥) انظر: تفسير الطبري: ١/ ٤١٧.
(٦) تفسير ابن عثيمين: ١/ ٤٣.
(٧) انظر: تفسير الطبري: ١/ ٤١٧.
(٨) تفسير الطبري (٥٧٥): ص ١/ ٤١٧.
(٩) ديوانه: ٥٩٨، والنقائض: ٤، واللسان (قنن)، وروايته: " أبناء قوم ". وسليط: بطن من بني يربوع قوم جرير، واسم سليط: كعب بن الحارث بن يربوع. وكان غسان ابن ذهيل السليطي هجا بني الخطفي، فهجاه جرير بهذا الرجز. وأقنة جمع قن (بكسر القاف)، والقن: العبد الذي ملك هو وأبواه. والأنثى، قن أيضًا بغير هاء.
(١٠) انظر: تفسير القرطبي: ١/ ٢٤٨.
(١١) انظر: تفسير الطبري: ١/ ٤١٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>