للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قوله تعالى: {ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [البقرة: ٢٨]، أي: "بعد الحشر- فيجازيكم بأعمالكم" (١).

قال أبو حيان: "أي إلى جزائه من ثواب أو عقاب" (٢).

قال أبو العالية: " ترجعون إليه بعد الحياة" (٣).

قال ابن عثيمين: " بعد الإحياء الثاني ترجعون إلى الله، فينبئكم بأعمالكم، ويجازيكم عليها" (٤).

قال الصابوني: " للحساب والجزاء يوم النشور" (٥).

قال النسفي: " تصيرون إلى الجزاء، أو ثم يحييكم في قبوركم ثم إليه ترجعون للنشور" (٦).

قال أوبو حيان: " فعطف بثم التي تقتضي التراخي في الزمان. والرجوع إلى الله تعالى حاصل عقب الحياة التي للبعث، فدل ذلك على أن تلك الحياة المذكورة هي للمسألة" (٧).

واستدلت المجسمة بقوله: " {ثم إليه ترجعون}، على أنه تعالى في مكان ولا حجة لهم في ذلك" (٨).

قال الثعلبي: أي: " تأتون في الآخرة فيجزيكم بأعمالكم" (٩).

قال السعدي: "فإذا كنتم في تصرفه، وتدبيره; وبره، وتحت أوامره الدينية، ومن بعد ذلك تحت دينه الجزائي، أفيليق بكم أن تكفروا به، وهل هذا إلا جهل عظيم وسفه وحماقة؟ بل الذي يليق بكم أن تؤمنوا به وتتقوه وتشكروه وتخافوا عذابه; وترجوا ثوابه" (١٠).

وفي قوله تعالى {تُرْجَعُونَ} [البقرة: ٢٨]، قراءتان (١١):

الأولى: {تُرْجَعُونَ}، مبنيا للمفعول من رجع المتعدي. وهي قراءة الجمهور.

والثانية: {تَرْجِعُونَ}، مبنيا للفاعل. قرأ بها مجاهد، ويحيى بن يعمر، وابن أبي إسحاق، وابن محيصن، والفياض بن غزوان، وسلام، ويعقوب.، حيث وقع في القرآن من رجع اللازم، لأن رجع يكون لازما ومتعديا.

قال أبو حيان: " وقراءة الجمهور أفصح، لأن الإسناد في الأفعال السابقة هو إلى الله تعالى، {فأحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم}، فكان سياق هذا الإسناد أن يكون الفعل في الرجوع مسندا إليه، لكنه كان يفوت تناسب الفواصل والمقاطع، إذ كان يكون الترتيب: {ثم إليه مرجعكم}، فحذف الفاعل للعلم به وبنى الفعل للمفعول حتى لا يفوت التناسب اللفظي. وقد حصل التناسب المعنوي بحذف الفاعل، إذ هو وقبل البناء للمفعول مبني للفاعل. وأما قراءة مجاهد، ومن ذكر معه، فإنه يفوت التناسب المعنوي، إذ لا يلزم من رجوع الشخص إلى شيء أن غيره رجعه إليه، إذ قد يرجع بنفسه من غير راد. والمقصود هنا إظهار القدرة والتصرف التام بنسبة الإحياء والإماتة، والإحياء والرجوع إليه تعالى، وإن كنا نعلم أن الله تعالى هو فاعل الأشياء جميعها. وفي قوله تعالى: {ثم إليه ترجعون} من الترهيب والترغيب ما يزيد المسيء خشية ويرده عن بعض ما يرتكبه، ويزيد المحسن رغبة في الخير ويدعوه رجاؤه إلى الازدياد من الإحسان، وفيها رد على الدهرية والمعطلة ومنكري البعث، إذ هو بيده الإحياء والإماتة والبعث وإليه يرجع الأمر كله" (١٢).

وفي قوله تعالى: {ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ}، وجهان (١٣):


(١) محاسن التأويل: ١/ ٢٨١.
(٢) نقلا عن: البحر المحيط: ١/ ١٠٨. وقيل أن (الهاء): "عائدة على الجزاء على الأعمال. وقيل: عائدة على الموضع الذي يتولى الله الحكم بينكم فيه. وقيل: عائدة على الإحياء المدلول عليه بقوله: فأحياكم". [أنظر: البحر المحيط: ١/ ١٠٨].
(٣) أخرجه ابن أبي حاتم (٣٠٣): ص ١/ ٧٣.
(٤) تفسير ابن عثيمين: ١/ ١٠٥.
(٥) صفوة التفاسير: ١/ ٣٩.
(٦) تفسير النسفي: ١/ ٥٦.
(٧) البحر المحيط: ١/ ١٠٨.
(٨) البحر المحيط: ١/ ١٠٩.
(٩) تفسير الثعلبي: ١/ ١٧٣.
(١٠) تفسير السعدي: ١/ ٤٨.
(١١) تفسير الثعلبي: ١/ ١٧٣ ـ والبحر المحيط: ١/ ١٠٩.
(١٢) البحر المحيط: ١/ ١٠٩.
(١٣) أنظر: النكت والعيون: ١/ ٩٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>