للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الثالث: ومن أشهر معانيها: (غير) أو (بعد):

قال الله تعالى في النساء: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالَاتُكُمْ وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا} [النساء: ٢٣]، فقال {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ} ثم ذكر المحصنات ثم قال: {وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَاء ذَلِكُمْ} أي ما بعد ذلك, ومنه قوله تعالى: {وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ} [هود: ٧١].

وقال جل وعلا: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (٥) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (٦) فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ (٧)} [المؤمنون: ٥ - ٧]، فقوله تعالى (وَرَاءَ ذَلِكَ) أي غير ذلك.

قلت: وهذا مما يُميِّز اللغة العربية عن غيرها من اللغات، والملَكة العربية قادرة على أن تُميّز المعنى المناسب للسياق.

قوله تعالى: {وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَهُمْ} [البقرة: ٩١]، "مع أنه هو الحق موافقاً لما معهم من كلام الله" (١).

قال القاسمي: " وفيه ردّ لمقالتهم، لأنهم إذا كفروا بما يوافق التوراة فقد كفروا بها" (٢).

قال الزجاج: " فهذا يدل على أنهم قد كفروا بما معهم إذْ كفروا بما يُصَدِّقُ ما معهم" (٣).

وقوله تعالى {وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَهُمْ}، فيه إشارة إلى ما يدل على وجوب الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم، وبيانه من وجهين (٤):

أحدهما: ما دل عليه قوله تعالى: {وَهُوَ الْحَقُّ} أنه لما ثبتت نبوة محمد صلى الله عليه وسلم بالمعجزات التي ظهرت عليه، إنه عليه الصلاة والسلام أخبر أن هذا القرآن منزل من عند الله تعالى وأنه أمر المكلفين بالإيمان به وكان الإيمان به واجبا لا محالة، وعند هذا يظهر أن الإيمان ببعض الأنبياء وبعض الكتب مع الكفر ببعض الأنبياء وبعض الكتب محال.

والثاني: ما دل عليه قوله: {مُصَدِّقًا لِمَا مَعَهُمْ}، وتقريره من وجهين:

الأول: أن محمدا صلوات الله وسلامه عليه لم يتعلم علما ولا استفاد من أستاذ، والثاني: أن القرآن يدل على نبوة محمد صلى الله عليه وسلم فلما أخبر الله تعالى عنه أنه مصدق للتوراة وجب اشتمال التوراة على الإخبار عن نبوته، وإلا لم يكن القرآن مصدقا للتوراة بل مكذبا لها وإذا كانت التوراة مشتملة على نبوة محمد عليه الصلاة والسلام وهم قد اعترفوا بوجوب الإيمان بالتوراة لزمهم من هذه الجهة وجوب الإيمان بالقرآن وبنبوة محمد عليه الصلاة والسلام.

قوله تعالى: {قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِيَآءَ الله مِن قَبْلُ} [البقرة: ٩١]، " أي قل لهم يا محمد إِذا كان إيمانكم بما في التوراة صحيحا، فلم كنتم تقتلون أنبياء الله من قبل؟ " (٥).

قال الواحدي: " هذا تكذيب من الله تعالى لهم في قولهم: {نُؤْمِنُ بِمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا}، أي: أيّ كتاب جوّز فيه قتل نبي، وأيّ دين وإيمان جوّز فيه ذلك" (٦).

قال ابن الأنباري: أي: " فلم توليتم آباءكم القاتلين ورضيتم ما كانوا عليه، وصوبتم أفعالهم" (٧).


(١) صفوة التفاسير: ١/ ٦٩.
(٢) محاسن التأويل: ١/ ٣٥١.
(٣) معاني القرآن: ١/! ٧٤.
(٤) انظر: تفسير الرازي: ٣/ ١٧٠.
(٥) صفوة التفاسير: ١/ ٦٩.
(٦) التفسير البسيط: ٣/ ١٥٦.
(٧) التفسير البسيط: ٣/ ١٥٦، وانظر: تفسير القرطبي: ٢/ ٢٥ - ٢٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>