للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يسعى اليهود الى تحقيقه بكل وسيلة، وأقرأ ذلك – إن شئت – في سورة البقرة – آيات: [٦١، ٨٥، ٨٧، ٩١] وفي سورة آل عمران آيات: [٢١، ١١٢، ١٨١، ١٨٣] وفى سورة النساء آيات: [١٥٥، ١٥٧]، وفى المائدة آية [٧٠]، ولا شك بأن قتل الأنبياء من أعظم الجرائم بل إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن أشد الناس عذابا يوم القيامة من قتله نبي أو قتل نبيا " (١)، وقد قتل بنو إسرائيل عدة أنبياء لله تعالى كما هو منصوص عليه في القرآن الكريم.

وفى مقابل هذا الغدر وتلك الخيانة يصف القرآن اليهود بأنهم –في ميدان القتال – أجبن الناس، وأضعف الناس، قلوب خاوية، وهمم هاوية! ! {لا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرًى مُّحَصَّنَةٍ أَوْ مِن وَرَاء جُدُرٍ} [الحشر: ١٤]. وهذا في أحسن الأحوال، وإلا {فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمْ} [البقرة ٢٤٦]. ثم تمتلئ قلوبهم رعبا، وخوفا، وجزعا، وفزعا فيقولون: {فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُون} [المائدة: ٢٤] (٢).

القرآن

{وَلَقَدْ جَاءَكُمْ مُوسَى بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ (٩٢)} [البقرة: ٩٢]

التفسير:

ولقد جاءكم نبي الله موسى بالمعجزات الواضحات الدالة على صدقه، كالطوفان والجراد والقُمَّل والضفادع، وغير ذلك مما ذكره الله في القرآن العظيم، ومع ذلك اتخذتم العجل معبودًا، بعد ذهاب موسى إلى ميقات ربه، وأنتم متجاوزون حدود الله.

قوله تعالى: {وَلَقَدْ جَاءَكُمْ مُوسَى بِالْبَيِّنَاتِ} [البقرة: ٩٢]، أي "وقل لهم لقد جاءكم موسى" (٣) بالحجج الباهرات" (٤).

قال الثعلبي: أي" بالدلالات اللائحات- والعلامات الواضحات" (٥).

قال أبو السعود: " أي وبالله لقد جاءكم موسى ملتبسا بالمعجزات الظاهرةِ" (٦).


(١) أخرجه: ابن حنبل، أحمد، تـ (٢٤١ هـ/٨٥٥ م)، مسند أحمد، طبعة مؤسسة قرطبة، مصر، ج ١ ص ٤٠٧.وقال الهيثمي، علي بن أبي بكر، تـ (٨٠٧ هـ/١٤٠٥ م)، في مجمع الزوائد ومنبع الفوائد، طبعة دار الريان، القاهرة، ١٤٠٧ هـ، ج ٥ ص ٢٣٦ قال: في الصحيح بعضه ورواه الطبراني وفيه ليث بن أبي سليم وهو مدلس وبقية رجاله ثقات.
(٢) الناظر لسيرة الأنبياء والرسل-عليهم الصلاة والسلام- بأن الرسل مقطوع بنصرهم من الله _سبحانه_ وعصمتهم من القتل بخلاف الأنبياء ومن تتبع تعبير القرآن رأى عجباً فإن القرآن إذا قطع بالنصر عبر بلفظ الرسل كقوله: {كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ} [المجادلة: ٢١]، {وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ} [الصافات: ١٧١]، وإذا جاء ذكر القتل عبر بلفظ النبيين {ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ} [آل عمران: ١١٢]، {لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا وَقَتْلَهُمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ} [آل عمران: ١٨١]، {فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِمْ بِآيَاتِ اللَّهِ وَقَتْلِهِمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا} [النساء: ١٥٥]، والسبب – وعند الله العلم – أن رسول الأمة الأول لا يقتل أبداً ولا بد من تمكينه ونصره في الدنيا فعلاً. ودليل ذلك قوله _تعالى_ في سورة غافر: {كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَالْأَحْزَابُ مِنْ بَعْدِهِمْ وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ وَجَادَلُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ فَأَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ} [غافر: ٥]، وقوله __جل ذكره__ في سورة إبراهيم _عليه السلام_: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ} [إبراهيم: ١٣]، وقوله في سورة الأنبياء: {ثُمَّ صَدَقْنَاهُمُ الْوَعْدَ فَأَنْجَيْنَاهُمْ وَمَنْ نَشَاءُ وَأَهْلَكْنَا الْمُسْرِفِينَ} [الأنبياء: ٩].
أما الأنبياء الذين أرسلوا برسالة تجديدية لرسالة رسول الأمة الأول فإنهم قد يقتلون كرسل بني إسرائيل بعد موسى، وهذا ما يحمل عليه قوله _تعالى_: {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَقَفَّيْنَا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ} [البقرة: ٨٧]، وإذا كان الأمر كذلك فإن من قدر الله أن تكتمل عوامل النصر والتمكين في دعوة رسول الأمة أكثر من النبي المجدد. والله تعالى أعلم.
(٣) فتح البيان في مقاصد القرآن: ١/ ٢٢٤.
(٤) صفوة التفاسير: ١/ ٦٩
(٥) تفسير الثعلبي: ١/ ٢٣٦.
(٦) تفسير أبي السعود: ١/ ١٣٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>