للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والثاني: أنها تعود إلى {الآيات}، والمعنى: ثم اتخذتم العجل من بعد مجيء البينات، كما تقول: جئتني فكرهته، يعني كرهت مجيئك.

قال أبو حيان: " الجمهور على إدغام الذال في التاء في قوله: {ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ}، وقرأ ابن كثير وحفص من السبعة: بالإظهار" (١).

قوله تعالى: {وَأَنْتُمْ ظالِمُونَ} [البقرة: ٩٢]، أي وأنتم" ضارون لأنفسكم بالمعصية واضعون العبادة في غير موضعها" (٢).

قال محمد بن إسحاق: "يعني قوله: {وأنتم ظالمون}، أي المنافقين الذين يظهرون بألسنتهم الطاعة وقلوبهم مصرة على المعصية" (٣).

وفي قوله تعالى: {وَأَنْتُمْ ظالِمُونَ} [البقرة: ٩٢]، وجهان (٤):

الأول: أنه حال، بمعنى اتخذتم العجل ظالمين بعبادته، أو بالإخلال بآيات الله تعالى.

والثاني: أنه اعتراض، بمعنى وأنتم قوم عادتكم الظلم.

قال البيضاوي: " ومساق الآية أيضاً لإبطال قولهم نُؤْمِنُ بِما أُنْزِلَ عَلَيْنا والتنبيه على أن طريقتهم مع الرسول طريقة أسلافهم مع موسى عليهما الصلاة والسلام، لا لتكرير القصة وكذا ما بعدها" (٥).

وفي اتصال الآية بما قبلها يقول الراغب: " جعل ذلك أيضا دلالة على دلالة قولهم: (نؤمن بما أنزل علينا) فكأنه قيل: كيف آمنتم به وقد أتاكم موسى بالآيات البينات فما لبثتم أن عبدتم العجل ظلما، وظلمهم الإخلال بآيات الله وبيناته وتلقيها بالكفران والكفر، وفي تخصيص ثم زيادة فائدة، وهي أن ذلك منكم بعد تدبر الآيات والتمكن من معرفتها، والآيات" (٦).

الفوائد:

١ من فوائد الآية: إقامة البرهان على عناد اليهود؛ ووجه ذلك أنه قد جاءهم موسى بالبينات، فاتخذوا العجل إلهاً ..

٢. ومنها: سفاهة اليهود، وغباوتهم، لاتخاذهم العجل إلهاً مع أنهم هم الذين صنعوه ..

٣ ومنها: أن اليهود اغتنموا فرصة غياب موسى مما يدل على هيبتهم له؛ لقوله تعالى: {من بعده} يعني من بعد ذهاب موسى إلى ميقات ربه ..

٤ ومنها: أن اليهود عبدوا العجل عن ظلم، وليس عن جهل؛ لقوله تعالى: {وأنتم ظالمون}.

القرآن

{وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاسْمَعُوا قَالُوا سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ قُلْ بِئْسَمَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمَانُكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (٩٣)} [البقرة: ٩٣]

التفسير:

واذكروا حين أَخَذْنا عليكم عهدًا مؤكدًا بقَبول ما جاءكم به موسى من التوراة، فنقضتم العهد، فرفعنا جبل الطور فوق رؤوسكم، وقلنا لكم: خذوا ما آتيناكم بجدٍّ، واسمعوا وأطيعوا، وإلا أسقطنا الجبل عليكم، فقلتم: سمعنا قولك وعصينا أمرك؛ لأن عبادة العجل قد امتزجت بقلوبكم بسبب تماديكم في الكفر. قل لهم -أيها الرسول-: قَبُحَ ما يأمركم به إيمانكم من الكفر والضلال، إن كنتم مصدِّقين بما أنزل الله عليكم.


(١) البحر المحيط: ١/ ١٦٨.
(٢) تفسير البغوي: ١/ ٩٥.
(٣) أخرجه ابن أبي حاتم (٩٢٩): ص ١/ ١٧٥.
(٤) انظر: تفسير البيضاوي: ١/ ٩٤.
(٥) تفسير البيضاوي: ١/ ٩٤.
(٦) تفسير الراغب الأصفهاني: ١/ ٢٦١.

<<  <  ج: ص:  >  >>