للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قوله تعالى: {وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ} [البقرة: ٩٣]، "أي خالط حبُّه قلوبهم، وتغلغل في سويدائها بسبب كفرهم" (١).

قال البيضاوي: أي: " تداخلهم حبه ورسخ في قلوبهم صورته، لفرط شغفهم به، كما يتداخل الصبغ الثوب، والشراب أعماق البدن" (٢). واختلف أهل العلم في قوله تعالى: {وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ} [البقرة: ٩٣]، على وجهين (٣):

أحدهما: أن معناه: وأشربوا في قلوبهم حب العجل، فقوله تعالى: {وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ}، أي: حل فيها محل الشرب وقبلوه، يقال: ثوب مشرب أي: مصبوغ (٤).

وهذا قول الجمهور: كقتادة (٥)، وأبي العالية (٦)، والربيع (٧)، وذهب إلي الفراء (٨)، والزجاج (٩)، وابن قتيبة (١٠)، وأبو عبيدة (١١)، والطبري (١٢)، والواحدي (١٣)، وابن الجوزي (١٤)، والزمخشري (١٥)، واالبيضاوي (١٦)، والرازي (١٧)، وابن عطية (١٨)، والقرطبي (١٩)، والسمين الحلبي (٢٠)، وغيرههم

والثاني: أن المعنى: أنهم سقوا الماء الذي ذري فيه سحالة العجل. قاله علي بن أبي طالب (٢١)، وسعيد بن جبير (٢٢)، والسدي (٢٣).

قال الحافظ ابن حجر: "وهو (٢٤) من مجاز الحذف (٢٥)، أي: أشربوا في قلوبهم حب العجل، ومن قال إن العجل أحرق ثم ذري في الماء فشربوه (٢٦) فلم يعرف كلام العرب؛ لأنها لا تقول في الماء أشرب فلان في قلبه" (٢٧).


(١) صفوة التفاسير: ١/ ٧٠.
(٢) تفسير البيضاوي: ١/ ٩٤.
(٣) انظر: تفسير الطبري: ٢/ ٣٥٧ - ٣٥٨.
(٤) انظر: الكشاف للزمخشري: ١/ ٢٩٧، أنوار التنزيل للبيضاوي: ١/ ٧٠، وقال السمين الحلبي في الدر المصون: ١/ ٣٠٥. والإشراب: مخالطة المائع بالجامد ثم اتسع فيه حتى قيل في الألوان نحو: أشرب بياضه حمرة، والمعنى: أنهم دَاخَلَهم حب عبادته كما داخل الصبغ الثوب.
(٥) انظر: تفسير ابن أبي حاتم (٩٣٤): ص ١/ ١٧٦.
(٦) انظر: تفسير ابن أبي حاتم (٩٣٥): ص ١/ ١٧٦.
(٧) انظر: تفسير ابن أبي حاتم (٩٣٦): ص ١/ ١٧٦.
(٨) انظر: معاني القرآن: ١/ ٦١.
(٩) انظر: معاني القرآن: ١/ ١٧٥.
(١٠) انظر: تفسير غريب القرآن: ٥٨.
(١١) انظر: مجاز القرآن: ١/ ٤٧.
(١٢) انظر: تفسير الطبري: ٢/ ٣٥٧ - ٣٥٨.
(١٣) انظر: الوسيط: ١/ ١٧٦.
(١٤) انظر: زاد المسير: ١/ ١١٥ - ١١٦
(١٥) انظر: الكشاف: ١/ ٢٩٧.
(١٦) تفسير البيضاوي: ١/ ٩٤.
(١٧) انظر: مفاتيح الغيب: ٣/ ٦٠٤.
(١٨) انظر: المحرر الوجيز: ١/ ٢٩٥.
(١٩) انظر: تفسير القرطبي: ٢/ ٣٢.
(٢٠) انظر: الدر المصون: ١/ ٣٠٥ - ٣٠٦.
(٢١) انظر: تفسير ابن أبي حاتم (٩٣١): ص ١/ ١٧٦.
(٢٢) انظر: تفسير ابن أبي حاتم (٩٣٢): ص ١/ ١٧٦.
(٢٣) انظر: تفسير ابن أبي حاتم (٩٣٣): ص ١/ ١٧٦.
(٢٤) أي قوله تعالى: {وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ}.
(٢٥) أي: حذف المضاف، انظر: الإشارة إلى الإيجاز في بعض أنواع المجاز للعز بن عبد السلام: ١١، وكتاب الطراز ليحيى بن حمزة العلوي: ٢/ ١٠٥ - ١٠٦، وحذف المضاف هنا لدلالة الكلام عليه لأن القلوب لا يصح وصفها بتشرب العجل على الحقيقة، انظر: تلخيص البيان في مجازات القرآن للشريف الرضي: ٧.
(٢٦) نسب هذا القول إلى سعيد بن جبير والسدي وابن جريج، وهو قول ضعيف، وهو من الإسرائيليات الصريحة، انظر: تفسير ابن أبي حاتم: ١/ ٢٨٣ وجامع البيان للطبري: ٢/ ٣٥٧ - ٣٥٨ وغيرهما.
(٢٧) الفتح: ٦/ ٤٩٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>