للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يقولون جاهد يا جميل بغزوة ... وإن جهادا طيئ وقتالها (١)

قوله تعالى: {قُلْ بِئْسَمَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمَانُكُمْ} [البقرة: ٩٣]، " أي قل لهم على سبيل التهكم بهم بئس هذا الإِيمان الذي يأمركم بعبادة العجل" (٢).

قال الرازي: "المراد "بئسما يأمركم به إيمانكم بالتوراة، لأنه ليس في التوراة عبادة العجل وإضافة الأمر إلى إيمانهم تهكم كما قال في قصة شعيب: {أَصَلَاتُكَ تَأْمُرُكَ .. } [هود: ٨٧]، وكذلك إضافة الإيمان إليهم، والإيمان عرض ولا يصح منه الأمر والنهي، لكن الداعي إلى الفعل قد يشبه بالآمر كقوله تعالى: {اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ .. } [العنكبوت: ٤٥] " (٣).

قال الواحدي: " فبئس الإيمان إيمانٌ يأمر بالكُفْر، وهذا تكذيب لهم؛ لأنهم كانوا يزعمون أنهم مؤمنون، وذلك أنهم قالوا: {نُؤْمِنُ بِمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا}، فكذّبهم الله عز وجل، وعيَّرهم بعبادة العجل، وذلك أنّ آباءهم ادعوا الإيمان ثم عبدوا العجل" (٤).

قال المراغي: أي: " فبئس هذا الإيمان الذي يأمر بهذه الأعمال التي أنتم تفعلونها كعبادة العجل وقتل الأنبياء ونقض الميثاق، فهذه دعوى لا تقبل منكم، بل يجب القطع بعدم وجودها، بدليل ما يصدر عنكم من الأعمال التي يستحيل أن تكون أثرا للإيمان" (٥).

قوله تعالى: {إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [البقرة: ٩٣]، " أي إِن كنتم تزعمون الإِيمان" (٦).

قال الصابوني: " والمعنى: لستم بمؤمنين لأن الإِيمان لا يأمر بعبادة العجل" (٧).

قال الرازي: " المراد التشكيك في إيمانهم والقدح في صحة دعواهم" (٨).

قال القاسمي: " قدح في صحة دعواهم. فإن الإيمان إنما يأمر بعباده الله وحده لا بشركة العبادة لما هو في غاية البلادة. فهو غاية الاستهزاء، وحاصل الكلام: إن كنتم مؤمنين بها عاملين، فيما ذكر من القول والعمل، بما فيها، فبئسما يأمركم به إيمانكم بها. وإذ لا يسوغ الإيمان بها مثل تلك القبائح فلستم بمؤمنين بها قطعا. فجواب الشرط محذوف، كما ترى، لدلالة ما سبق عليه" (٩).

قال الواحدي: وقوله تعالى: {يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمَانُكُمْ} من المجاز وسعة العربية؛ لأن الإيمان لا يأمُر، وهو كقوله: {إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} [العنكبوت: ٤٥]، وكما تقول في الكلام: بئسما يأمرك العقل بشتم الناسِ، معناه: إِن كنْتَ عاقلًا لم تشتمهم، كذلك المعنى في الآية: لو كنتم مؤمنين ما عبدتم العجل" (١٠).

و(السَّمْعُ): قوّة في الأذن به يدرك الأصوات، وفعله يقال له السَّمْعُ أيضا، وقد سمع سمعا" (١١).

ومن جماليات الأسلوب القرآني، استخدام كلمة (السمع) لمعنيين مختلفين؛ وهى نكتة لغوية دلالية تحل كثيرا من الإشكاليات؛ كما في قوله تعالى: {وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قالُوا سَمِعْنا وَهُمْ لا يَسْمَعُونَ} [الأنفال: ٢١]، وقد ذكر الراغب المعنيين، وهما:


(١) انظر: تفسير الطبري: ٢/ ٣٥٨ - ٣٥٩.
(٢) صفوة التفاسير: ١/ ٧٠.
(٣) مفايح الغيب: ٣/ ٦٠٥.
(٤) التفسير البسيط: ٣/ ١٦٢.
(٥) تفسير المراغي: ١/ ١٧٢.
(٦) صفوة التفاسير: ١/ ٧٠.
(٧) صفوة التفاسير: ١/ ٧٠.
(٨) مفايح الغيب: ٣/ ٦٠٥.
(٩) محاسن التأويل: ١/ ٣٥٣.
(١٠) التفسير البسيط: ٣/ ١٦٣.
(١١) المفردات في غريب القرآن للراغب الأصفهاني: ٤٢٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>