للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قل -أيها الرسول- لليهود الذين يدَّعون أن الجنة خاصة بهم؛ لزعمهم أنهم أولياء الله من دون الناس، وأنهم أبناؤه وأحباؤه: إن كان الأمر كذلك فادْعُوا على الكاذبين منكم أو من غيركم بالموت، إن كنتم صادقين في دعواكم هذه.

في سبب نزول الآية: قال الله تعالى لليهود: {إن كانت لكم الدار الآخرة عند الله خالصة من دون الناس فتمنوا الموت}، فلم يفعلوا حيث قالوا: {لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى}، وقالوا: {نحن أبناء الله وأحباؤه}، فقال الله لهم ذلك" (١). وروي عن قتادة والربيع بن أنس نحو ذلك (٢).

قوله تعالى: {قُلْ إِنْ كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ عِنْدَ اللَّهِ خَالِصَةً} [البقرة: ٩٤]، أي" قل يا محمد: إن كان نعيم الدار الآخرة ولذاتها لكم يا معشر اليهود عند الله" (٣) خاصة.

قال الصابوني: " أي قل لهم يا محمد إِن كانت الجنة لكم خاصة كما زعمتم" (٤).

قال السعدي: " يعني الجنة، كما زعمتم، أنه لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى، وأن النار لن تمسهم إلا أياما معدودة" (٥).

قال ابن عطية: " أمر لمحمد صلى الله عليه وسلم أن يوبخهم، والمعنى: إن كان لكم نعيمها وحظوتها وخيرها فذلك يقتضي حرصكم على الوصول إليها" (٦).

واختلف في قوله تعالى: {خَالِصَةً} [البقرة: ٩٤]، على قولين (٧):

الأول: معناه: صافية. كما يقال: خلص لي فلان، بمعنى صار لي وحدي وصفا لي. قاله الطبري (٨).

والثاني: معناه: خاصة، قاله ابن عباس (٩)، واختاره الثعلبي (١٠)، ومنه قوله تعالى: {خَالِصَةٌ لِذُكُورِنَا} [الأنعام: ١٣٩]، وقوله: {خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [الأعراف: ٣٢]، وقوله: {خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ} [الأحزاب: ٥٠]، " أي خاصة من دون الناس" (١١).

قال الطبري: "وذلك تأويل قريب من المعنى الأول" (١٢).

قوله تعالى: {مِنْ دُونِ النَّاسِ} [البقرة: ٩٤]، أي: " من دون جميع الناس" (١٣).

قال الصابوني: أي: "لا يشارككم في نعيمها أحد" (١٤).

واختلف في قوله تعالى: {مِنْ دُونِ النَّاسِ} [البقرة: ٩٤]، على قولين (١٥):

أحدهما: من دون الناس جميعهم، ويبين أن ذلك كان قولهم - من غير استثناء منهم من ذلك أحدا من بني آدم - إخبار الله عنهم أنهم قالوا: {لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى} [البقرة: ١١١]. وهذا قول الجمهور.

والثاني: من دون محمد وأصحابه الذين آمنوا به، وهذا قول ابن عباس (١٦).


(١) أخرجه ابن أبي حاتم (٩٣٥): ص ١/ ١٧٧.
(٢) انظر: تفسير ابن أبي حاتم: ١/ ١٧٧.
(٣) تفسير الطبري: ٢/ ٣٦٥.
(٤) صفوة التفاسير: ١/ ٧٠.
(٥) تفسير السعدي: ٥٩.
(٦) المحرر الوجيز: ١/ ١٨١.
(٧) انظر: تفسير الطبري: ٢/ ٣٦٥.
(٨) انظر: تفسير الطبري: ٢/ ٣٦٥.
(٩) أخرجه الطبري (١٥٧٥): ص ٢/ ٣٦٥.
(١٠) انظر: تفسير الثعلبي: ١/ ٢٣٧.
(١١) تفسير الثعلبي: ١/ ٢٣٧.
(١٢) تفسير الطبري: ٢/ ٣٦٥.
(١٣) تفسير الطبري: ٢/ ٣٦٦.
(١٤) صفوة التفاسير: ١/ ٧٠.
(١٥) انظر: تفسير الطبري: ٢/ ٣٦٥.
(١٦) انظر: تفسير الطبري (١٥٧٦): ص ٢/ ٣٦٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>