للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال ابن عثيمين: " وهي الإمامة عامة فيمن أتى بعده، فإن النبي ابراهيم-عليه السلام- صار إماماً حتى لخاتم الرسل محمد صلى الله عليه وسلم، كما قال تعالى: {ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم حنيفاً وما كان من المشركين} [النحل: ١٢٣]؛ و (الإمام) مَن يُقتدى به سواء في الخير، أو في الشر؛ لكن لا ريب أن المراد هنا إمامة الخير، فإذا قال قائل: أرُونا دليلاً على أن الإمامة في الشر تسمى إمامة؟ قلنا: قوله تعالى: {وجعلناهم أئمة يدعون إلى النار ويوم القيامة لا ينصرون} [القصص: ٤١]، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: "من سن في الإسلام سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أوزارهم شيء" (١)؛ وهذا لأنه إمام" (٢).

قوله تعالى: {قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي} [البقرة: ١٢٤]، "أي: واجعل من ذريتي إماماً يقتدى به" (٣).

قال ابن عطية: " أي ومن ذريتي يا رب فاجعل" (٤).

قال الثعلبي: أي: " ومن أولادي أيضا. فاجعل أئمة يقتدى بهم" (٥).

قال ابن ابي زمنين: "أي: ومن كان من ذريتي فليكن إماماً لغير ذريتي" (٦).

قال البغوي: " أي ومن أولادي أيضا فاجعل منهم أئمة يقتدى بهم في الخير" (٧).

قال المراغي: " وقد جرى إبراهيم على سنة الفطرة، فتمنى لذريته الخير في أجسامهم وعقولهم وأخلاقهم، ولا غرو فالإنسان يرجو أن يكون ابنه أحسن منه في جميع ذلك" (٨).

قال أبو العالية: " فقال إبراهيم: يا رب ومن ذريتي يقول: اجعل من ذريتي، من يؤتم به ويقتدى به" (٩).

ويحتمل {من} في قوله تعالى: {وَمِنْ ذُرِّيَّتِي} [البقرة: ١٢٤]، وجهين (١٠):

أحدها: أنها لبيان الجنس؛ وبناءً على ذلك تصلح {ذريتي} لجميع الذرية؛ يعني: واجعل ذريتي كلهم أئمة.

الثاني: أنها للتبعيض؛ وعليه فيكون المقصود: اجعل بعض الذرية إماماً.

قال شيخنا ابن عثيمين: "والكلام يحتمل هذا، وهذا؛ ولكن سواء قلنا؛ إنها لبيان الجنس؛ أو للتبعيض؛ فالله تعالى أعطاه ذلك مقيداً بقوله تعالى {لا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ} " (١١).

ويحتمل الكلام في قوله تعالى {وَمِنْ ذُرِّيَّتِي} [البقرة: ١٢٤]، وجهين (١٢):

أحدهما: أنه دعاء، وإبراهيم طمع في الإمامة لذريته، فسأل الله تعالى ذلك لهم، أي: من ذريتي يا رب فاجعل.

الثاني: أنه استفهام، قال ذلك استخباراً عن حالهم، أي ومن ذريتي يا رب ماذا يكون؟ فأخبره الله تعالى أن فيهم عاصيا وظالما لا يستحق الإمامة.

وفي أصل (الذرية) قولان (١٣):

أحدهما: الأولاد الصغار، مشتق من الذر لكثرته.

والثاني: أنها من الذرر، وهو الخلق، فخفف الهمز وأدخل التشديد عوضا عن الهمز كالبرية.


(١) أخرجه مسلم ص ٨٣٨، كتاب الزكاة، باب ٢٠: الحث على الصدقة ولو بشق تمرة ... ، حديث رقم ٢٣٥١ [٦٩] ١٠١٧.
(٢) تفسير ابن عثيمين: ٢/ ٤٢
(٣) تفسير النسفي: ١/ ٨٥.
(٤) المحرر الوجيز: ١/ ٢٠٦.
(٥) تفسير الثعلبي: ١/ ٢٦٩.
(٦) تفسير ابن أبي زمنين: ١/ ١٧٦.
(٧) تفسير البغوي: ١/ ١٤٦.
(٨) تفسير المراغي: ١/ ٢٠٩.
(٩) أخرجه ابن أبي حاتم (١١٧٧): ص ١/ ٢٢٢.
(١٠) انظر: تفسير ابن عثيمين: ٢/ ٤٢.
(١١) تفسير ابن عثيمين: ٢/ ٤٢.
(١٢) انظر: النكت والعيون: ١/ ١٨٥، وتفسير القرطبي: ٢/ ١٠٧.
(١٣) انظر: تفسير الثعلبي: ١/ ٢٥٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>