للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كلها: من الطواف، والسعي، والوقوف بعرفة، ومزدلفة ورمي الجمار والنحر، وغير ذلك من أفعال الحج، فيكون معنى قوله: {مُصَلًّى} أي: معبدا، أي: اقتدوا به في شعائر الحج، ولعل هذا المعنى أولى، لدخول المعنى الأول فيه، واحتمال اللفظ له" (١).

واختلفت القرأة في قراءة {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} على وجهين (٢):

أحدهما: {وَاتَّخذُوا}، بكسر (الخاء)، على وجه الأمر باتخاذه مصلى، قرأ بها ابن كثير وعاصم وأبو عمرو وحمزة والكسائي.

وفي توجيه قراءة الجمهور أربعة أقوال:

أحدها: أنه معطوف على ما تضمنه قوله: {مَثَابَةً} كأنه قال: ثوبوا واتخذوا (٣).

الثاني: أنه معمول لمحذوف أي: وقلنا اتخذوا (٤).

الثالث: أن يكون الواو للاستئناف (٥).

الرابع: أن قوله {وَاتَّخذُوا} معطوفة على {اذكُرُوا} [لبقرة: ١٢٢]، إذا قيل بأن الخطاب هنا لبني إسرائيل، أي: اذكروا نعمتي واتخذوا، ولم يرتضِ هذا الوجه الطبري (٦)، واستبعده أبو حيان (٧).

والثاني: {وَاتَّخذُوا} بفتح (الخاء) على وجه الخبر. وهي قراءة نافع وابن عامر. ثم اختلف في الذي عطف عليه بقوله: (واتخذوا) إذ قرئ كذلك، على وجه الخبر، وذكروا فيه ثلاثة أوجه:

الأول: أنه معطوف على تقدير (إذ)، كأنه قال: وإذ جعلنا البيت مثابة للناس وأمنا، [وإذ] اتخذوا من مقام إبراهيم مصلى. قاله بعض نحويي البصرة (٨).

والثاني: أنه معطوف على قوله: (جعلنا)، فكان معنى الكلام على قوله: وإذ جعلنا البيت مثابة للناس، واتخذوه مصلى. وهو قول بعض نحويي الكوفة (٩).

فعلى الأول الكلام جملة واحدة، وعلى الثاني جملتان.

والثالث: وقيل: على محذوف تقديره: فثابوا، أي: رجعوا واتخذوا (١٠)

والراجح في القراءة: (واتخذوا) بكسر (الخاء)، على تأويل الأمر باتخاذ مقام إبراهيم مصلى، للخبر الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، عن أنس بن مالك قال، قال عمر بن الخطاب: قلت: يا رسول الله، لو اتخذت المقام مصلى! فأنزل الله: " واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى " (١١).

قال الحافظ ابن حجر: "والجمهور (١٢) على كسر الخاء من قوله: (وَاتَّخِذُوا) بصيغة الأمر" (١٣).


(١) تفسير السعدي: ١/ ٦٥.
(٢) انظر: السبعة في القراءات: ١٧٠، وتفسير الطبري: ٢/ ٣٠ - ٣١.وتفسير القرطبي: ٢/ ١١١.
(٣) انظر: البحر المحيط لأبي حيان: ١/ ٣٨١، والدر المصون للسمين: ١/ ٢٦٤، واستبعده أبو حيان في البحر.
(٤) هو قول الزمخشري في الكشاف: ١/ ٣١٠، وأبي حيان في البحر المحيط: ١/ ٣٨١، وانظر: الدر المصون للسمين: ١/ ٣٦٤.
(٥) هو قول أبي البقاء العكبري في إملاء ما من به الرحمن: ١/ ٦٢. وهناك قول رابع: وهو أن (وَاتَّخذُوا) معطوفة على {اذكُرُوا} [لبقرة: ١٢٢]، إذا قيل بأن الخطاب هنا لبني إسرائيل، أي: اذكروا نعمتي واتخذوا، ولم يرتضِ هذا الوجه ابن جرير في جامع البيان: ٣/ ٢١ - ٢٢، واستبعده أبو حيان في البحر المحيط: ١/ ٣٨١، وانظر الدر المصون للسمين: ١/ ٣٦٤، والجامع لأحكام القرآن للقرطبي: ٢/ ١١١.
(٦) انظر: تفسير الطبري: ٣/ ٢١ - ٢٢.
(٧) انظر: البحر المحيط: ١/ ٣٨١.
(٨) هو قول الزجاج في معاني القرآن وإعرابه: ١/ ٢٠٧، والمهدوي في شرح الهداية: ١/ ١٨٢، ومكي في الكشف عن وجوه القراءات السبع: ١/ ٢٦٣.
(٩) هو قول الفراء في معاني القرآن: ١/ ٧٧، والنحاس في إعراب القرآن: ١/ ٢٥٩، والزمخشري في الكشاف: ١/ ٣١٠، والقرطبي في الجامع لأحكام القرآن: ٢/ ١١١.
(١٠) هو قول أبي البقاء العكبري في إملاء ما من به الرحمن: ١/ ٦٢.
(١١) رواه أحمد في المسند: ١٥٧، ١٦٠، ٢٥٠، عن هشيم، وعن ابن أبي عدي، وعن يحيى - ثلاثتهم، عن حميد، عن أنس. ورواه البخاري أيضًا، عن مسدد، عن يحيى. كما ذكره ابن كثير ١: ٣٠٩ - ٣١٠، من رواية البخاري وأحمد، ثم ذكر أنه رواه أيضًا الترمذي، والنسائي، وابن ماجه، وقال الترمذي: " حسن صحيح ".
(١٢) أي: جمهور القراء، انظر: النشر في القراءات العشر لابن الجزري: ٢/ ٢١٤، السبعة لابن مجاهد: ١٧٠، الغاية في القراءات العشر لابن مهران: ١٠٦، الإقناع في القراءات السبع لابن الباذش: ٢/ ٦٠٢، الكشف عن وجوه القراءات السبع لمكي: ١/ ٢٦٣ - ٢٦٤، الدر المصون للسمين: ١/ ٣٦٤، شرح الهداية للمهدوي: ١/ ١٨١.
(١٣) الفتح: ٨/ ١٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>