للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

خامسا: وقال آخرون: بل {مقام إبراهيم}، هو مقامه الذي هو في المسجد الحرام. قاله قتادة (١)، والربيع (٢)، والسدي (٣).

والراجح: أن المقام هو (الحجر) (٤) لما يعضده هذا القول من الأخبار، إذ ثبت بالأخبار أنه قام على هذا الحجر عند المغتسل ولم يثبت قيامه على غيره فحمل هذا اللفظ وعليه أكثر أهل العلم. وقد ثبت دليله عند مسلم (٥) (٦) من حديث جابر (٧)، وعند البخاري أيضاً (٨).

واختلف في معنى قوله تعالى: {مُصَلًّى} [البقرة: ١٢٥]، على قولين (٩):

أحدهما: مَدْعَى يَدْعِي فيه، وهو قول مجاهد (١٠).

وهؤلاء وَجَّهوا (المصَلَّى) إلى أنه (مُفَعَّل)، من قول القائل: (صليت) بمعنى دعوت، وقائلوا هذا القول، هم الذين قالوا: إن مقام إبراهيم هو الحج كله.

ومعنى الآية على هذا القول: واتخذوا عرفة والمزدلفة والمشعر والجمار، وسائر أماكن الحج التي كان إبراهيم يقوم بها مَدَاعِيَ تدعوني عندها، وتأتمون بإبراهيم خليلي عليه السلام فيها، فإني قد جعلته لمن بعده - من أوليائي وأهل طاعتي - إماما يقتدون به وبآثاره، فاقتدوا به.

والثاني: أنه مصلى يصلي عنده، وهو قول قتادة (١١)، والسدي (١٢)، والحسن البصري (١٣).

والقول الثاني هو الراجح، لما يسنده من الخبر عن عمر بن الخطاب وجابر بن عبد الله، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (١٤). والله تعالى أعلم.

قال الشيخ السعدي: {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى}، يحتمل أن يكون المراد بذلك، المقام المعروف الذي قد جعل الآن، مقابل باب الكعبة، وأن المراد بهذا، ركعتا الطواف، يستحب أن تكونا خلف مقام إبراهيم، وعليه جمهور المفسرين، ويحتمل أن يكون المقام مفردا مضافا، فيعم جميع مقامات إبراهيم في الحج، وهي المشاعر


(١) انظر: تفسير الطبري (٢٠٠٠): ص ٢/ ٣٥.
(٢) انظر: تفسير الطبري (٢٠٠١): ص ٢/ ٣٥.
(٣) انظر: تفسير الطبري (٢٠٠٢): ص ٢/ ٣٥.
(٤) وقد اختار ذلك أيضاً وصوبه: الطبري في جامع البيان: ٣/ ٣٨، والقرطبي في الجامع لأحكام القرآن: ٢/ ١١٢، والماوردي في النكت والعيون: ١/ ١٨٧، وابن الجوزي في زاد المسير: ١/ ١٤١، وابن العربي في أحكام القرآن: ١/ ٤٠، والشوكاني في فتح القدير: ١/ ٢٠٥، وابن كثير في تفسير القرآن العظيم: ١/ ٢١٣، وقد حكى اتفاق المحققين عليه الرازي في مفاتيح الغيب: ٤/ ٥٣، وأبو حيان في البحر المحيط: ١/ ٣٨١.
(٥) هو: أبو الحسين مسلم بن الحجاج بن مسلم القشيري النيسابوري، إمام حافظ، ثقة حجة، عالم بالفقه، صاحب الصحيح، توفي عام: ٢٦١ هـ. انظر: وفيات الأعيان لابن خلكان: ٥/ ١٩٤، سير أعلام النبلاء: ١٢/ ٥٥٧، تذكرة الحفاظ: ٢/ ٥٨٨، وكلاهما للذهبي، تقريب التهذيب لابن حجر: ٩٣٨.
(٦) أخرجه مسلم في صحيحه: ١/ ٨٨٦ - ٨٨٧ رقم: ١٢١٨ وفيه: (حتى إذا أتينا البيت معه، استلم الركن فرمل ثلاثاً، ومشى أربعاً ثم نفذ إلى مقام إبرا هيم-عليه السلام-فقرأ {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} فجعل المقام بينه وبين البيت).
(٧) هو: أبو عبد الله جابر بن عبد الله بن عمرو بن حرام الأنصاري السَّلَمي-بفتحتين-صحابي ابن صحابي، أحد المكثرين من الرواية، شهد العقبة وتسعة عشر غزوة، ولم يشهد بدراً واحداً، منعه أبوه، توفي عام: ٧٨ هـ، وقيل غير ذلك. انظر: أسد الغابة لابن الأثير: ١/ ٣٠٧، الاستيعاب لابن عبد البر: ١/ ٢١٩، تهذيب الكمال للمزي: ٤/ ٤٤٣، الإصابة لابن حجر: ١/ ٤٣٤.
(٨) انظر: البخاري في جامعه-فتح-: ١/ ٦٠١ رقم: ٤٠٢ من حديث أنس عن عمر قال: (وافقت ربي في ثلاث: فقلت يا رسول الله: لو اتخذنا من مقام إبراهيم مصلى، فنزلت (وَاتَّخذُوا من مَّقَام إبرَاهيمَ مُصَلَّى) ... الحديث).
(٩) انظر: تفسير الطبري: ٢/ ٣٧ - ٣٨
(١٠) انظر: تفسير الطبري (٢٠٠٤): ص ٢/ ٣٧.
(١١) انظر: تفسير الطبري (٢٠٠٥): ص ٢/ ٣٧.
(١٢) انظر: تفسير الطبري (٢٠٠٦): ص ٢/ ٣٧.
(١٣) انظر: مفاتيح الغيب للرازي: ٤/ ٥٤، البحر المحيط لأبي حيان: ١/ ٣٨١. ولفظه: " أي: قبلة". وتعبير الحسن أولى من تعبير قتادة والسدي، لأن الصلاة أمامه أو بحذائه يطلق عليها صلاة عنده وليس هذا مراداً-رحمة الله على الجميع-.
(١٤) أي الاستدلال على مشروعية الصلاة ركعتين خلف المقام، انظر البخاري-فتح-: ١/ ٥٩٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>