للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الرابع: إن المراد بالمقام إنما هو (الحَجَرُ) الذي كان إبراهيم عليه السلام، يقوم عليه لبناء الكعبة، وهذا قول ابن عباس (١)، وسعيد بن جبير (٢).

ثم هؤلاء ذكروا وجهين (٣):

أحدهما: هو الحجر الذي قام عليه حين رفع بناء البيت (٤)، وهو قول ابن عباس في رواية سعيد ابن جبير عنه (٥)، وروي عن جابر وقتادة وسعيد بن جبير. نحو ذلك (٦).

إذ لما ارتفع الجدار أتاه إسماعيل، عليه السلام، به ليقومَ فوقه ويناوله الحجارة فيضعها بيده لرفع الجدار، كلَّما كَمَّل ناحية انتقل إلى الناحية الأخرى، يطوف حول الكعبة، وهو واقف عليه، كلما فرغ من جدار نقله إلى الناحية التي تليها هكذا، حتى تم جدارات الكعبة، بيانه في قصة إبراهيم وإسماعيل في بناء البيت، وكانت آثار قدميه ظاهرة فيه، ولم يزل هذا معروفًا تعرفه العرب في جاهليتها؛ ولهذا قال أبو طالب في قصيدته المعروفة اللامية (٧):

ومَوطئُ إبراهيم في الصخر رطبة ... على قدميه حافيًا غير ناعل

وقد أدرك المسلمون ذلك فيه أيضا (٨).

وثانيهما: وقيل: بل هو الذي وضعته زوج إسماعيل لإِبراهيم حيث غسلت رأسه وهو راكب. وهو قول السدي (٩)، وحكاه الرازي في تفسيره عن الحسن البصري وقتادة والربيع بن أنس (١٠).

وقال ابن جبير ناقداً هذا القول: "ولو غسل رأسه كما يقولون لاختلف رجلاه" (١١).


(١) انظر: تفسير الطبري (١٩٩٩): ص ٢/ ٣٥.
(٢) تفسير ابن أبي حاتم (١١٩٩): ص: ١/ ٢٢٦.
(٣) انظر: تفسير الرازي: ٤/ ٤٥ - ٤٦.
(٤) هو قول ابن عباس في رواية سعيد ابن جبير عنه في البخاري-فتح-: ٦/ ٤٥٦ - ٤٥٨ رقم: ٣٣٦٤، وقول جابر وقتادة وسعيد بن جبير. انظر: زاد المسير لابن الجوزي: ١/ ١٤٢، مفاتيح الغيب للرازي: ٤/ ٥٣، تفسير ابن أبي حاتم: ١/ ٣٧٣، البحر المحيط لأبي حيان: ١/ ٣٨١، جامع البيان للطبري: ٣/ ٣٤ - ٣٥.
(٥) انظر: البخاري-فتح-: ٦/ ٤٥٦ - ٤٥٨ رقم: ٣٣٦٤.
(٦) انظر: زاد المسير لابن الجوزي: ١/ ١٤٢، مفاتيح الغيب للرازي: ٤/ ٥٣، تفسير ابن أبي حاتم: ١/ ٢٢٦ - ٢٢٧، والبحر المحيط لأبي حيان: ١/ ٣٨١، وتفسير للطبري: ٣/ ٣٤ - ٣٥.
(٧) البيت في السيرة النبوية لابن هشام (١/ ٢٧٣). وانظر: تفسير ابن كثير: ١/ ٤١٧.
(٨) انظر: تفسير ابن كثير: ١/ ٤١٧ - ٤١٨).
قال الشيخ ابن عثيمين: " اختلف المؤرخون: هل كان الحجر الذي كان يرفع عليه إبراهيم (ص) بناءَ الكعبة لاصقاً بالكعبة، أو كان منفصلاً عنها في مكانه الآن؛ فأكثر المؤرخين على أنه كان ملصقاً بالكعبة، وأن الذي أخره إلى هذا الموضع عمر بن الخطاب رضي الله عنه؛ وبناءً على ذلك يكون للخليفة حق النظر في إزاحته عن مكانه إذا رأى في ذلك المصلحة؛ أما إذا قلنا: إن هذا مكانه على عهد النبي صلى الله عليه وسلم فالظاهر أنه لا يجوز أن يغير؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أقره؛ وإذا أقره النبي صلى الله عليه وسلم فليس لنا أن نؤخره عنه؛ وقد كتب أحد طلبة العلم رسالة في هذا الموضوع، وقرَّظها الشيخ عبد العزيز بن باز، ورأى أنه يجوز إزاحته عن مكانه من أجل المصلحة والتوسعة بناءً على المشهور عند المؤرخين أنه كان لاصقاً بالكعبة، ثم أُخِّر؛ وهذا لا شك أنه لو أُخِّر عن مكانه فيه دفع مفسدة وهي مفسدة هؤلاء الذين يتجمعون عنده في المواسم؛ وفيه نوع مفسدة وهي أنه يبعد عن الطائفين في غير أيام المواسم؛ فهذه المصالح متعارضة هنا: هل الأولى بقاؤه في مكانه؟ أو الأولى تأخيره عن مكانه؟ فإذا كانت المصالح متكافئة فالأولى أن يبقى ما كان على ما كان، وحذراً من التشويش واختلاف الآراء في هذه المسألة؛ ومسألة تضييق المصلين على الطائفين هذا يمكن زواله بالتوعية إذا أفادت؛ أو بالمنع بالقهر إذا لم تفد؛ وفي ظني أنها قلّت في السنوات الأخيرة بعض الشيء؛ لأن الناس صار عندهم وعي". (انظر: تفسيره: ٢/ ٢٢).
(٩) انظر: تفسير الطبري (٢٠٠٢): ص ٢/ ٣٥ - ٣٦، وتفسير القرطبي: ٢/ ١١٣، وقال ابن الجوزي في زاد المسير: ١/ ١٤٢: ذكره السدي عن ابن مسعود وابن عباس.
(١٠) تفسير ابن كثير: ١/ ٤١٤.
(١١) أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره (١١٩٩): ص ١/ ٢٢٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>