للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

البَعيدَةِ إلا بواسطَةِ هذه البواخِرِ التي تَحْمِلُ الشَّيْء الكَثيرَ، هذا من فَضْلِ الله عَزَّ وَجَلَّ، لأنَّه قال: {لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ}.

وثانيًا: قَوْله تعالى: {وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} فإنَّ (لَعَلَّ) هنا حتى نَسْتَعْرِضَ المعاني التي تأتي لها (لعل) فـ (لعل) تأتي للتَّرَجِّي، وتأتي للتَّوَقُّع، وتأتي للإشْفاقِ، وتأتي للتَّعْليلِ، فلأيِّ المعاني كانت في هذه الآيَةِ؟

الجواب: للتَّعْليلِ؛ لأنَّها لأَجْلِ أن تذكروا الله عَزَّ وَجَلَّ، إذا رَأَيْتم هذه البواخِرَ تَمْخُر الماءَ وتأتي بالأَرْزاقِ من ناحيةٍ إلى ناحِيَةٍ، فإن هذا يَسْتَوْجِبُ أن تشكروا الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى على هذه النِّعْمَةِ.

والشُّكْرُ قال العُلَماءُ رَحِمَهُم اللهُ في تَفْسيره: هو القِيامُ بطاعَةِ المُنْعِمِ؛ اعترافًا بالقَلْبِ، وتَحَدُّثًا باللِّسانِ، وطاعةً بالأَرْكانِ، فمَواضِعُه ثلاثة: القَلْب، واللِّسانُ، والجوارِحُ؛ ولهذا قال الشَّاعِرُ:

أَفَادَتْكُمُ النَّعْمَاءُ مِنِّي ثَلَاثَةً ... يَدِي وَلِسَانِي وَالضَّمِيرَ المُحَجَّبَا (١)

فهذا الشُّكْرُ يكون بهذه المواضِعِ الثَّلاثَةِ، والحَمْدُ يكون باللِّسانِ، فمُتَعَلَّقُ الشُّكْر أعَمُّ وسَبَبُه أخَصُّ، ومُتَعَلَّقُ الحَمْدِ أَخَصُّ وسَبَبُه أَعَمُّ؛ لأنَّ الحَمْدَ يكون في مُقابَلَةِ النِّعْمَةِ، ويكون في مُقابَلَةِ كَمالِ المَحْمودِ.

[من فوائد الآية الكريمة]

الْفَائِدَة الأُولَى: أنَّ الأَشْياءَ المُتَّفِقَة لا يُمْكِن أن تكون مُتَساوِيَةً؛ لِقَوْله تعالى: {وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ}.


(١) غير منسوب، وانظره في غريب الحديث للخطابي (١/ ٣٤٦)، والفائق للزمخشري (١/ ٣١٤).

<<  <   >  >>