للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومثال آخَرُ: كذَّبَتْ قريشٌ الرَّسُولَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فبَدلًا من أن يعاقِبَهم الله نَعَّمَهُم، وهذا مَعْنى قَوْله تعالى: {فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا} فالعذابُ لن يُبَدَّلَ بِنَعيمٍ، ولن يُحَوَّلَ عن مُسْتَحِقِّه إلى قومٍ آخرينَ.

فسُنَّةُ الله عَزَّ وَجَلَّ لا بُدَّ أن تقع فيمن يَسْتَحِقُّها بدون تبديلٍ لها بنِعْمَةٍ وبدون تحويلٍ لها إلى غَيْرِهِم؛ لأنَّ الله عَزَّ وَجَلَّ كامِلُ الحِكْمَة، كامِلُ العَدْل، فهو كامِلُ الحِكْمَة فلن يُبَدِّلَ النِّقْمَة بنِعْمَةٍ على من استحَقَّها، وكامِلُ العدل لا يُمْكِنُ أن يُحَوِّلَ الإنْتِقامَ إلى قومٍ آخرينَ لا يَسْتَحِقُّونه.

فهذه الصِّفَةُ {فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا ... } إلخ، هي من بابِ الصِّفاتِ السَّلْبِيَّةِ لَكِنَّها تَتَضَمَّنُ كمالَ عَدْلِ الله وكَمالَ حِكْمَتِه، ويُمْكِنُ أن نقول: وتمام سُلْطانه أيضًا بحيث لا يُكْرِهُه أَحَدٌ إلى أن يُحَوِّلَ النِّقْمَة إلى آخرين أو أن يُبَدِّلَها بنِعْمَة.

قال المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ: [أَيْ لَا يُبَدَّلُ بِالْعَذَابِ غَيْرُهُ ولَا يُحَوَّلُ العَذَابُ إِلَى غَيْر مُسْتَحِقِّهِ].

[من فوائد الآيتين الكريمتين]

الْفَائِدَة الأُولَى: أنَّ الإِنْسَان إذا كان في عافية أو إذا كان قبل أن يَنزِل به الأَمْرُ قد يجد من نَفْسِه القُوَّةَ على تنفيذه فإذا نزل به الأَمْرُ تَغَيَّرتْ حالُه؛ وَجْهُ الدَّلالَة: أنَّ هؤلاء أَقْسَموا بالله لَئِنْ جاءَهُم نذيرٌ ليكونُنَّ أهدى من إِحْدى الأُمَمِ، فلما جاءهم النَّذيرُ تَغَيَّرتْ حالُهم، وهذا يقع كثيرًا للبَشَرِ، فما دام الإِنْسَانُ لم يَنْزِلْ به الأَمْر يَظُنُّ أنَّه قادِرٌ عليه فإذا نزل به الأَمْرُ عَجَزَ عنه؛ ولهذا يَنْبَغي للإِنْسَان ألَّا يتعَجَّلَ فيحْكُم على نَفْسِه بالحال التي كان فيها سالِمًا من نزولِ الأَمْر به، بل يَنْتَظِرُ حتى يَنْزِلَ به الأَمْر، فكثيرٌ من النَّاس مثلًا يقول أنا أستطيعُ الصَّبْرَ على الحَجِّ مثلًا وسأَحُجُّ، ولكن عندما

<<  <   >  >>