لله عَزَّ وَجَلَّ من الحُقوق، كما لا يُمْكِن أن تَعْرِف ما يَجِبُ له من الأَسْماءِ والصِّفات على سبيل التَّفْصيل، وإن كان العَقْل يُدْرِك أنَّ الإِنْسَان لا بُدَّ أنْ يَعْبُدَ خالِقَه، ويُدْرِك أنَّ الخالِقَ لا بُدَّ أن يكون مُتَّصِفًا بصِفاتِ الكَمالِ، لكنْ على سبيل الإِجْمالِ لا على سبيل التَّفْصيلِ، فمن أجل ذلك أَرْسَل الله الرُّسُل؛ لتقوم الحُجَّةُ على العباد.
فما من أُمَّةٍ إلا خلا فيها نذيرٌ، قد يكون الأنبياءُ في وقتٍ واحِدٍ في أمكنةٍ مُتَعَدِّدَةٍ، وقد يكون الأَنْبياءُ في وقتٍ واحِدٍ في مكانٍ واحِدٍ، أمَّا أن يوجد مكانٌ واحِدٌ لم يكن فيه نبِيٌّ فهذا لا يُمْكِن، لا بُدَّ أن تكون جميعُ الأُمَم قد بعث إليها الرُّسُلَ، ونظير هذا قَوْله تعالى:{وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ}[النحل: ٣٦].
[من فوائد الآية الكريمة]
الْفَائِدَة الأُولَى: ثُبوتُ رِسالَةِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - على وجْهٍ مُؤَكَّدٍ لا مِرْيَةَ فيه، لِقَوْله تعالى:{إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ}.
الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ: فَضيلَة النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - لِكَوْنِه رسولَ رَبِّ العالمَينَ، فإنَّ الرِّسالَة مقامٌ عظيمٌ لا ينالهُا إلا من هو أَهْلٌ لها؛ كما قال الله تبَارَكَ وَتَعَالَى:{اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ}[الأنعام: ١٢٤]، ويقول عَزَّ وَجَلَّ:{تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ}[البقرة: ٢٥٣] وهم؛ أي: الرُّسُلُ مُفَضَّلون على من سواهم من الخَلْق، ففي الآيَة فَضيلَةٌ ومَنْقَبةٌ لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ: بَيَانُ ما يَشْتَمِل عليه دينُ الرَّسُول - صلى الله عليه وسلم - من الحَقِّ الذي ضِدُّه الباطِل، والباطِلُ إن كان في الأَخْبارِ فهو الكَذِب، وإن كان في الأَحْكَام فهو الجَوْرِ والظُّلمِ.