للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وصدق الله عَزَّ وَجَلَّ؛ فإنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ ما استطاعَ أن يَهْدِيَ أَقْرَبَ النَّاس إليه وأَشْفَقَ النَّاسِ إليه وهو عَمُّه أبو طالب، وشاء الله عَزَّ وَجَلَّ أن يَهْدِيَ أقوامًا من فارس والرُّوم من أَبْعَدِ النَّاس عن الرَّسُولِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، نَسَبًا ومَكانًا؛ لأنَّ الأَمْرَ بِيَدِ الله عَزَّ وَجَلَّ، كما قال تعالى: {فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ (٢١) لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ} [الغاشية: ٢٢].

[من فوائد الآيات الكريمة (١٩ - ٢٢)]

الْفَائِدَة الأُولَى: بَلاغَة القُرْآن؛ حيث يَنْتَقِلُ بِسامِعِه وقارِئِه من الأَمْثالِ الحِسِّيَّة إلى الأمثال المَعْنَوِيَّة؛ ذلك لأنَّ الأمثال الحِسِّيَّة لا يَمْتَري فيها أَحَدٌ، وليس لأَحَدٍ أن يُجادِلَ فيها؛ لأنَّك إذا قُلْتَ مثلًا: (هذه لمَبة، وهذا نُورُها) لا أَحَد ينازِعُك فيها؛ لأنَّه انْتَقَل من المَحْسوسِ إلى المَعْقول المَعْنَوِيِّ.

الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ: فَضيلَةُ البَصَرِ؛ لأنَّ نَفْيَ الإسْتِواء بين الأعمى والبصير معناه تَفْضيلُ البَصيرِ؛ ولهذا أَكْثِرْ من دُعَاءِ الله عَزَّ وَجَلَّ: "اللَّهُمَّ مَتِّعْنَا بِأَسْمَاعِنَا وَأَبْصَارِنَا وَقُوَّتِنَا مَا أَحْيَيْتَنَا" (١).

وكذلك أيضًا نقول في: {وَلَا الظُّلُمَاتُ وَلَا النُّورُ} فإنَّ فيها من بَلاغَة القُرْآنِ ما في قَوْله تعالى: {وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ} وفيها: الإنتقالُ من المَثَل الحِسِّيِّ إلى المَثَل المَعْنَوِيِّ.

الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ: تفضيلُ النُّورِ على الظُّلمة؛ لأنَّ نَفْيَ الإسْتِواءِ فيهما معناه تَفْضيلُ النُّور على الظُّلمةِ.


(١) أخرجه الترمذي: كتاب الدعوات، رقم (٣٥٠٢)، من حديث ابن عمر - رضي الله عنهما -.

<<  <   >  >>