للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الْفَائِدَةُ الرَّابِعَةُ: إذا انتَقَلْنا من المَثَلِ الحِسِّيِّ إلى المَعْنَوِيِّ فإنَّ طريق الهُدى واحِدٌ وطُرُق الضَّلال مُتَفَرِّقَة؛ لِقَوْله تعالى: {وَلَا الظُّلُمَاتُ وَلَا النُّورُ} وذكرنا شاهدًا من القُرْآن على هذا وهو قَوْله تعالى: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ} [الأنعام: ١٥٣]، وقال تعالى: {اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ} [البقرة: ٢٥٧]، فهناك طاغوتٌ يَجُرُّهم إلى نَوْعٍ من الكفر والفِسْقِ؛ نسأل اللهَ العافِيَةَ.

الْفَائِدَةُ الخَامِسَةُ: أنَّه لا يستوي الظِّلُّ ولا الحرور، وهذا مَثَل حِسِّيٌّ، انتقل منه إلى المثل المَعْنَوِيِّ، وهو ظِلُّ الجَنَّة وحرُّ النَّار وأيُّهما أفضل؟

الجواب: ظِلُّ الجَنَّة؛ اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا مِنْهُم وإيَّاكم.

الْفَائِدَةُ السَّادِسَةُ: التَّحْذيرُ من عَمَلِ أَهْل النَّار؛ لأنَّ نَفْي الإستواء بين الظِّلِّ والحرور أمرٌ معلوم، وتَأَذِّي الإِنْسَانِ بالحَرورِ أيضًا أمرٌ معلومٌ؛ ففيه: التَّحْذيرُ من عَمَلِ أَهْلِ النَّار.

وهل يُؤْخَذُ من الآيَةِ الكريمَةِ أنَّه: لا حَرَجَ على الإِنْسَان أن يَطْلُبَ الظِّلَّ، وأن يَطْلُبَ النُّورَ؟ الجواب: نعم؛ لأنَّنا ما دمنا ذَكَرْنا أنَّ هذا النَّفْيَ معناه تَفْضيلُ النُّورِ على الظُّلُمات وتفضيل الظِّلِّ على الحرور فلا حرج على الإِنْسَانِ أن يَطْلُب الأَفْضَل، بل قد يَجِبُ أحيانًا؛ ولهذا لمَّا رأى النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - زحامًا ورَجُلًا يُظَلَّلُ عليه والزِّحامُ عليه، لم يَقُلْ: (لا تُظَلِّلوا عليه)، ولكن قال: "لَيْسَ مِنَ البِرِّ الصِّيَامُ فِي السَّفَرِ" (١).


(١) أخرجه البخاري: كتاب الصوم، باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم - لمن ظُلل عليه واشتد الحر: "ليس من البر الصوم في السفر"، رقم (١٩٤٦)، ومسلم: كتاب الصيام، باب جواز الصوم والفطر في شهر رمضان للمسافر، رقم (١١١٥)، من حديث جابر - رضي الله عنه -.

<<  <   >  >>