للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

"الكَيِّسُ مَنْ دَانَ نَفْسَهُ وَعَمِلَ لمِا بَعْدَ المَوْتِ، وَالعَاجِزُ مَنْ أَتْبَعَ نَفْسَهُ هَوَاهَا وَتَمَنَّى عَلَى اللهِ" (١)؛ أي: الأمانِيَّ، وهذا الحديث وإن كان فيه ما فيه من حيثُ الصِّحَّة، لكنَّ معناه صحيحٌ بلا شَكٍّ، فإنَّ الكَيِّسَ الحازِمَ هو الذي يَعْمَل لمِا بعد المَوْت.

فَقَوْله تعالى: {وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ} أي: ولا يَخْدَعَنَّكُم بالله في حِلْمِه وإمهاله، وغير ذلك مِمَّا يَتَعَلَّقُ بأَفعالِهِ وأحكامِهِ.

وَقَوْله تعالى: {وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ} أي: الخادِعُ وهو الشَّيْطانُ؛ قَوْل المُفَسِّر رَحِمَهُ الله: [الشَّيْطانُ] هذا اسْمٌ للشَّيْطان (إِبْليسُ) وهو مُشْتَقٌّ من شاطَ يَشِيطُ إذا غَضِبَ، أو من شَطَنَ يَشْطِنُ إذا بَعُدَ، والوَصْفان ثابتانِ للشَّيْطانِ؛ لأن عِنْدَه طَيْشًا وسُوءَ تَصَرُّفٍ، كالذي يَشيطُ غضبًا، وهو أيضًا شاطِنٌ؛ أي: بعيدٌ عن رَحْمَةِ الله عَزَّ وَجَلَّ، فإنَّ الله عَزَّ وَجَلَّ لَعَنَه فقال: {وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلَى يَوْمِ الدِّينِ} [ص: ٧٨].

[من فوائد الآية الكريمة]

الْفَائِدَة الأُولَى: أَهَمِّيَّة التَّصْديقِ بِوَعْدِ الله عَزَّ وَجَلَّ، وَجْهُ ذلك أنَّه صَدَّرَه بالنِّداء، فقال: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ}.

الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ: أنَّ الكُفَّارَ مخُاطَبونَ بالفُروعِ؛ لأنَّ الخِطابَ هنا عامٌّ، قال تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ}.

الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ: أنَّ وَعْدَ الله لا بُدَّ أن يَقَعَ؛ لأَنَّه خَبَرٌ من صادِقٍ قادِرٍ؛ لِقَوْله تعالى: {إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ} أي: صِدْقٌ في حال الخَبَرِ عنه، واقِعٌ في حال إيقاعِهِ.


(١) أخرجه الإمام أحمد (٤/ ١٢٤)، والترمذي: كتاب صفة القيامة، رقم (٢٤٥٩)، وابن ماجه: كتاب الزهد، باب ذكر الموت، رقم (٤٢٦٠)، من حديث شداد بن أوس - رضي الله عنه -.

<<  <   >  >>