للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يقول قائل: كيفَ يَسْتَخْلِفُنا الله في الأَرْضِ وعندنا الأُمَم القَوِيَّة الكَثيرَةِ ما الجواب على ذلك؟

الجواب: {إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا} لا تَغُرَّكَ الدُّنْيا حتى في النَّصْر، أَسْبَابُ النَّصْرِ ليست هي المادَّة فقط، بل هناك شَيْءٌ وراءها وهي قُوَّة العزيز عَزَّ وَجَلَّ؛ كما قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} [الحج: ٤٠].

قال المُفَسِّر رَحِمَهُ الله: [{وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ} في حِلْمِه وإِمْهالِهِ {الْغَرُورُ} الشَّيْطانُ]؛ يعني: لا يَخْدَعْكُم أيضًا مَن وَصْفُه الخِداعُ؛ ولهذا جاء وَصْفُ {الْغَرُورُ} و (غَرورٌ): فَعولٌ، صِفَةٌ مُشَبَّهَةٌ؛ لأنَّ غُرورَهُ كان وصفًا لازِمًا له لُزُومَ الوُجُوبِ.

و(الغَرورُ) غَيْرُ (الغُرُور) بالضَّمِّ؛ (الغُرورُ) بالضَّمِّ مَصْدَرٌ، و (الغَرورُ) صِفَةٌ مُشَبَّهَةٌ دالَّةٌ على المَعْنى ومن قام به المَعْنى، (فالغَرورُ) إِذَن هو الشَّيْطانُ، سواء كان إنسِيًّا أم جِنِّيًّا؛ فمن شَياطِينِ الجِنِّ من يَغُرُّ، وهو معروف، وهو الشَّيْطانُ الذي يُلْقِي في قلبِكَ ما يَخْدَعُك، ومن شياطينِ الإِنْسِ أيضًا من يَغُرُّ، وهم جُلَساءُ السُّوءِ الذين يأتون الإِنْسَانَ فيَدْخُلونَ فيه كما يَدْخُلُ الماء في المَدَر، أو النَّار في الفَحْم، يدخلون له دخولًا بحيث يكون كالنَّائِمِ أو كالمَيِّت بين يَدَيِ الغاسِل، فالله عَزَّ وَجَلَّ حَذَّرَنا من هؤلاء.

وَقَوْل المُفَسِّر رَحِمَهُ الله: [{وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ} في حِلْمِه وإمهاله {الْغَرُورُ} الشَّيْطانُ].

[في حِلْمِه وإِمْهالِهِ]، صحيح أَنَّ الإِنْسَانَ قد يَغْتَرُّ بالله في حِلْمِه وإِمْهالِهِ فيقول لنفسه: لو كُنْتُ على خَطَأٍ لعاقَبَني الله، وما دام الله عَزَّ وَجَلَّ يَرْزُقُني ويُعافِيني فهذا دليلٌ على أنِّي على حقٍّ، لكنَّ هذا من الأَمانِيِّ الباطِلَة التي حذَّرَ عنها رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - فقال:

<<  <   >  >>