للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[الآية (٣٦)]

* * *

* قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ} [فاطر: ٣٦].

* * *

ثم قال تعالى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ} فثنَّى بِذِكْرِ عِقابِ أَهْلِ النَّارِ؛ لأنَّ القُرْآنَ مَثانٍ، كُلُّ ما ذُكِرَ فيه مَعْنًى ذُكِرَ فيه ما يُقابِلُه، ولا تكاد تَجِدُ آياتٍ في القُرْآن يُذْكَرُ فيها معنًى إلا وذُكِرَ ما يقابله لِئَلَّا تَتَمادى النَّفْس في الرَّجاء، فإذا ذُكِرَ النَّعِيم وَحْدَه فإنَّ النَّفْس تتمادى في الرَّجاءِ، وحينئذٍ تَأْمَنُ مَكْرَ الله، ولو ذُكِرَ الوعيدُ وَحْدَه لتمادَتِ النَّفْسُ في الخَوْف وقَنِطَتْ من رَحْمَة الله، ولَكِنَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يذكر هذا تارة، وهذا تارَةً حتى يكونَ الإِنْسَانُ سائرًا من غَيْر مَيْلٍ إلى الرَّجاء ومن غَيْر مَيْلٍ إلى القُنوطِ.

وهذه المَسْأَلَة اخْتَلَفَ العُبَّاد فيها: هل الأَوْلَى أن يَسيرَ الإِنْسَانُ إلى رَبِّه بين الخَوْفِ والرَّجاءِ فيكونَ خائِفًا راجِيًا، أو الأَوْلَى أن يُغَلِّبَ الرَّجاءَ إحسانًا في الظَّنِّ بالله عَزَّ وَجَلَّ، أو الأَوْلَى أن يُغَلِّبَ الخَوْفَ؟

في هذا خلافٌ بين العُلَماء رَحِمَهُم اللهُ؛ فالإمام أحمدُ (١) رَحِمَهُ اللَّهُ رُوِيَ عنه أنَّه قال: يَنْبَغي أن يكونَ خَوْفُه ورَجاؤُهُ واحِدًا، فأيُّهُما غَلَبَ هَلَكَ صاحِبُه؛ لأَنَّه إن غَلَبَ


(١) انظر: الإختيارات العلمية لابن تيمية [المطبوع مع الفتاوى الكبرى] (٥/ ٣٥٩).

<<  <   >  >>