للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لا يُسْمِعُ الموتى حَقيقَةً كما قال الله تعالى: {إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى} [النمل: ٨٠]، فلو أنَّ الرَّسُولَ - صلى الله عليه وسلم - ذهب إلى المَقْبَرة مَقْبَرَةِ الكُفَّارِ، وقال: "يا أيُّها النَّاسُ اتَّقُوا الله، واعْبُدوه"، وما أَشْبَه ذلك هل يَسْمَعونَ هذه المَوْعِظَة فينْتَفِعونَ بها؟

الجواب: لا، ما يسمعونها فيَنْتَفِعون بها، ولكنَّنا نقول: نَنْتَقِلُ من هذا إلى أنَّ الرَّسُول عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لا يُسْمِعُ الكُفَّار؛ لأنَّ قُلوبَهم مَيِّتَة، ومَنْ قَلْبُه مَيِّتٌ - والعياذ بالله - فإنَّه لا يَنْتَفِعُ بما يَسْمَع من المواعظ، فكأنَّه لا يَسْمَع.

قَوْله تعالى: {إِنْ أَنْتَ إِلَّا نَذِيرٌ} فَسَّر المُفَسِّر رَحِمَهُ اللهُ {إن} بـ (ما) فقال: [{إن} ما {أَنْتَ إِلَّا نَذِير} مُنْذِرٌ لهم] وهذا يدلُّ على {إِنْ} نافِيَة، وقد تقدَّم أنَّ من علامات {إِنْ} النَّافِيَة الإسْتِثْناءُ بأن تُتْبَع بـ {إِلَّا}، والمَعْنى: ما أنت إلا نَذيرُهُم، والنَّذيرُ كما تَقَدَّم هو المُعْلِم إِعلامًا يَتَضَمَّنُ التَّخْويفَ، فالإِعْلامُ المُتَضَمِّنُ التَّخْويفَ يُسَمَّى إنذارًا.

قَوْله تعالى: {إِنْ أَنْتَ إِلَّا نَذِيرٌ} هل هذا الحَصْرُ حقيقيٌّ أو إضافِيٌّ؟

الجواب: إضافي؛ لأنَّ الرَّسُول عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ نذيرٌ وبَشيرٌ؛ لكن المَقامَ هنا يقتضى أن يُذْكَر الإنذارُ فقط؛ لأنَّه في مُقارَعَةِ الكُفَّار، ومُقارَعَة الكُفَّارِ تَحْتاجُ إلى الإِنْذارِ أَكْثَرَ مِمَّا تحتاج إلى التَّبْشيرِ.

وَقَوْله تعالى: {إِنْ أَنْتَ إِلَّا نَذِيرٌ} تكونُ مُقابلة بين هذه الجُمْلَةِ والجُمْلَةِ التي قبلها؛ كأنَّه يقول: أنت لا تستطيعُ أن تُوصِلَ الهِدايَة إلى قلوبِ الكافرينَ، ولكِنْ تَسْتَطيع أن تُنْذِرَهُم؛ لأنَّ هذا هو مَقامُك، مَقامُكَ إنذارٌ، أمَّا أن تُوصِلَ الِهدايَة إلى قُلوبِ هؤلاء الكُفَّار الذين يُشْبِهونَ الموتى فهذا ليس إليكَ.

<<  <   >  >>