للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ونرجع إلى كَلِمَة: {كَذَلِكَ} تَرِدُ كثيرًا في القُرْآن الكريم، ويقول المُعْرِبونَ: إنَّ الكافَ مفعولٌ مُطْلَقٌ، وإنَّ تَقْديرَ الكَلَامِ: مِثْلَ ذلكَ الجَزَاءِ نَجْزي، وعامِلُ هذا المَفْعولِ المُطْلَقِ ما بعده من الفِعْلِ؛ كذلك نجزي الظَّالمينَ؛ أي: مِثْلَ ذلك الجزاءِ نَجْزِي الظَّالمِينَ، كذلك نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ؛ أي: مِثْلَ ذلكَ الجَزَاءِ نَجْزي كُلَّ كَفورٍ.

وَقَوْله تعالى: {كُلَّ كَفُورٍ} قال المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ: [كافِرٍ] يعني أنَّ صيغَةَ المُبالَغَةِ هنا لا تُرادُ، بل مُطْلَقُ الكُفْرِ مُوجِبٌ لهذا الجزاءِ؛ لأنَّك لو اعْتَبَرْتَ صِيغَةَ المُبالَغَةِ بِظاهِرِ معناها لكان لا يُجْزى هذا الجَزاءَ إلا من تكَرَّرَ كُفْرُه ولكن لا يَمْنَعُ أن نقول: إنَّ (كفور) هنا صِفَةٌ مُشَبَّهَةٌ، ويكون المَعْنى كل من اتَّصَفَ بالكُفْرِ، والله أعلم.

[من فوائد الآية الكريمة]

الْفَائِدَة الأُولَى: أنَّ جزاءَ الكافرينَ النَّارُ، وهذا ما دلَّتْ عليه آياتٌ كثيرة.

الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ: أنَّهم لن يَدْخلوا الجَنَّة؛ لِقَوْله تعالى: {لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ} فأتى بالجُمْلَة الإسْمِيَّةِ الدالَّةِ على الثُّبُوت والإسْتِمْرار.

الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ: أنَّ أَهْلَ النَّارِ يَتَأَلمَّونَ منها ومن عذابِها وعقابِها؛ لِقَوْله تعالى: {لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا} لأنَّهم لو ماتوا لاسْتَراحوا، فيكون في هذا رَدٌّ على قَوْلِ من يقول - من المُعْتَزِلَة وغيرهم -: إنَّ أَهْل النَّارِ يكونون أو تكون النَّارُ فيهم طَبيعَةً فلا يَحْتَرِقونَ فيها ولا يَتَأَلمَّونَ منها، وهذا خلاف ما دل عليه القُرْآنُ، وخِلافُ ما دَلَّ عليه العَقْلُ.

أمَّا القُرْآن فالله تعالى يقول: {ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ} [آل عمران: ١٨١] أي: ذوقوا العذابَ الذي يُحْرِقُكم، ويقول عَزَّ وَجَلَّ: {كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا

<<  <   >  >>