للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ} [النساء: ٥٦]، وهذا نَصٌّ صريحٌ في أنَّ الجلودَ تَحْتَرِقُ، ولكن تُبَدَّلُ لِأَجْلِ أن يذوقوا العَذابَ، ففيها دليلٌ على أنَّها لو احْتَرَقَتْ وبَقِيَتْ مُحْتَرِقَةً فإنَّها لا تُحِسُّ بالعذابِ فيفرق بينها وبين ما إذا بُدِّلَتْ.

فالصَّواب بلا شَكٍّ أنَّ أَهْلَ النَّارِ يَتَأَلمَّونَ من عذابِها، وأنَّه لا تكون النَّارُ طَبيعةً لهم فلا تهمهم بعد ذلك.

الْفَائِدَةُ الرَّابِعَةُ: حُسْنُ بَلاغَة القُرْآن؛ إذا ذَكَرَ شيئًا ذكر ما يُقابِلُه حتى تكون النَّفْس بين هذا وهذا، فإذا ذَكَرَ ثناءً على أَهْل الخَيْرِ ذَكَرَ ثناءً على أَهْلِ الشَّرِّ، وإذا ذكر جزاءَ أَهْلِ الخَيْرِ ذكر جزاء أَهْل الشَّرِّ.

الْفَائِدَةُ الخَامِسَةُ: أنَّ هؤلاء - أعني أَهْل النَّار - لا يُخَفَّفُ عنهم من عذاب النَّارِ أبدًا لا في كَيْفِيَّتِهِ ولا في نَوْعِهِ ولا في زَمَنِهِ؛ لِقَوْلِه تعالى: {وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا}.

الْفَائِدَةُ السَّادِسَةُ: دليلٌ على كمالِ قُدْرَة الله عَزَّ وَجَلَّ؛ حيث تبقى هذه النَّارُ أَبدَ الآبدينَ - والعياذ بالله - لا تَتَغَيَّرُ، والمَعْروف في نارِ الدُّنْيا أنَّها مع طُولِ الزَّمَنِ تتغيَّر وتَنْقُص وتُطْفَأُ حتى لا يكون لها أثر، أمَّا في نار جَهَنَّم فإنَّها تبقى أبد الآبدينَ، لا ينقص عذابُها ولا حرارَتُها.

الْفَائِدَةُ السَّابِعَةُ: أنَّ هذا الجزاء ثابتٌ لِكُلِّ من اتَّصَفَ بالكفر، يعني لا تَخْتَصُّ به قبيلةٌ دون أخرى، فلا يقال مثلًا إنَّه خاصٌّ بقُرَيْشٍ المُكَذِّبينَ لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - أو بالقبيلةِ الفُلانِيَّة أو القبيلة الفلانِيَّة، بل كلُّ كَفورٍ حتى وإن كان من قَرابَةِ الرَّسُولِ.

الْفَائِدَةُ الثَّامِنَةُ: إِثْباتُ الأَسْبَابِ ورَبْطِ مسبَّباتِها بها؛ لِقَوْله تعالى: {كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ}.

<<  <   >  >>