للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال: {وَلَا يَزِيدُ الْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ إِلَّا خَسَارًا} فبَيَّنَ هنا أنَّ الكفر سببٌ لِشَيْئَيْنِ:

الشَّيْء الأول: نزولُ مَرْتَبَةِ الكافِرِ؛ فإنَّ كُفْرَه لا يزيده عند الله إلا بُغْضًا.

والثاني: العُقوبَةُ التي تحصل له، وذلك بالخسارة؛ إذ يَخْسَرُ نَفْسَه وأَهْله ودنياه وآخرته؛ قال تعالى: {قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ} [الزمر: ١٥] هو خَسِرَ نَفْسَه؛ لأنَّه لو آمن لَرَبِحَ ونال ثوابَ الآخِرَة بالجَنَّة، وهذا ربح؛ أمَّا الآن فقد أَهْلَكَ نَفْسَه ففاتت عليه، فخَسِرَ أَهْله؛ لأَنَّه لو آمن واتَّبَعَه أَهْله بالإيمان صاروا في الجَنَّة في مَنْزِلَةٍ واحِدَة، وخَسِرَ دنياه لأنَّه لم يَسْتَفِدْ من وجوده في الدُّنْيا شيئًا، بل استفاد الخَسارَةَ والعَمَل السَّيِّئَ، وخسر الآخِرَة أيضًا؛ لأنَّه فاته النَّعِيمُ المُقيمُ في الآخِرَة وصار من أصحاب الجحيم.

فلا أَحَدَ أَعْظَم خَسارَةً من الكافِرِ، والعياذُ بالله، حتى وإن كان في الدُّنْيا مُنَعَّمًا نِعْمَةَ جَسَدٍ فهو في الحَقيقة مُعَذَّبٌ عَذابَ قَلْبٍ؛ لأنَّه ليس عند الكافِرِ انْشراحُ صَدْرٍ كما عند المُسْلِمِ، يقول الله تعالى: {أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ} [الزمر: ٢٢] يعني: فمن لم يكن كذلك فهو على ظُلْمَة.

[من فوائد الآية الكريمة]

الْفَائِدَة الأُولَى: تمامُ قُدْرَةِ الله عَزَّ وَجَلَّ وسُلْطانِه؛ حيث إنَّه هو الذي يُدَبِّر خَلْقَه بِجَعْلِهِم خلائِفَ.

الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ: بِشارَةُ المُؤْمِنينَ وإِنْذارُ الكافرينَ؛ لأنَّ من جُمْلَةِ الخِلافَةِ أن يَخْلُفَ المُؤْمِنين الكافرينَ في أَرْضِهِم، قال الله تعالى: {وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ صَيَاصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقًا تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقًا (٢٦) وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضًا لَمْ تَطَئُوهَا} [الأحزاب: ٢٦ - ٢٧].

<<  <   >  >>