{مَّا} شَرْطِيَّةٌ تَجْزِمُ بدليلِ الفِعْلِ بعدها، ولكنَّ الفِعْلَ بعدها أمامنا مكسورٌ {يَفْتَحِ} فنقول: إنَّ هذه الكَسْرَة عارِضَةٌ من أجل تَوَقِّي الْتِقاءِ السَّاكِنَيْنِ، وإلا فإنَّها مَجْزومةٌ، وهذا كقَوْله تعالى:{لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا} البَيِّنَة: ١] وأَصْلُها: (لم يَكونْ).
قَوْله تعالى:{يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ} فَتْحُ الشَّيْءِ: إزالَةُ الحَواجِزِ دونه؛ يعني: متى فتحْتَ البَيْتَ؛ يعني: أزَلْتَ الحاجِزَ المانِعَ مِن دُخُولِهِ وهو البابُ، والرَّحْمَة إذا فُتِحَتْ فإنَّ الإِنْسَانَ يَدْخُل إليها ويَلِجُ فيها.
وَقَوْله تعالى:{مِنْ رَحْمَةٍ}: {مِن} بيانٌ لـ {مَّا}، و {مَّا} شَرْطِيَّةٌ مُفيدَةٌ للْعُمومِ، وعلى هذا فيكونُ في الآيَةِ عُمومٌ؛ أي: أيُّ رَحْمةٍ يَفْتَحْها الله عَزَّ وَجَلَّ للنَّاسِ فلا أَحَدَ يَسْتَطيعُ إِمْساكَهَا.
وَقَوْله تعالى:{مِنْ رَحْمَةٍ} قال المُفَسِّر رَحِمَهُ الله: [كَرِزْقٍ ومَطَرٍ]، وهذا على سبيلِ التَّمْثيلِ لا الحَصْر؛ لأنَّ رَحْمَة الله أكْثَرُ من ذلك، قال الله تعالى:{وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ}[النحل: ٥٣]، {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ}[النحل: ١٨] فرَحْمَة الله عَزَّ وَجَلَّ لا تُحْصَى في أَنْواعِها فضلًا عن أَفْرادِها.