للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ويَطْلُبه فاهْتَمَّ لذلك واغْتَمَّ يقال: (تَحَسَّر)، وقيل: إن {حَسَرَاتٍ} مَصْدَرٌ وأنَّه مفعولٌ من أجله، والمَعْنى: فلا تذهب نَفْسُك؛ أي: تَهْلِكْ؛ من أجل الحَسَراتِ عليهم.

قال المُفَسِّر رَحِمَهُ اللهُ: [{فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ} على المُزَيَّنِ لهم {حَسَرَاتٍ} باغْتِمامِكَ ألَّا يُؤْمنوا {إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ} فيُجازيهِمْ عليه] في هذه الجُمْلَةِ تَهْديدٌ وتَسْلِيَة؛ تَهْديدٌ لهؤلاء المُخالِفينَ، وتَسْلِيَة للرَّسولِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ؛ يعني: لا يُهِمَّنَّكَ أَمْرُهم؛ فإنَّك سائِرٌ مع الله وسوف يُجازيهِم.

[من فوائد الآية الكريمة]

الْفَائِدَة الأُولَى: أنَّ من النَّاس من يَعْمَى قَلْبُه حتى يرى السَّيِّئَ حَسَنًا، وفي مقابِلِ ذلك يرى الحَسَنَ سَيِّئًا؛ لِقَوْله تعالى: {أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا}.

الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ: إبهامُ الفاعِلِ لِيَشْمَلَ كلَّ ما يُمْكِن أن يقع منه هذا الفِعْل؛ لِقَوْله تعالى: {زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ} وقد سبق أنَّ المُزَيِّنُ هو الله عَزَّ وَجَلَّ في الأَصْلِ، والشَّياطينُ في المُباشَرَة.

الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ: انْقِسامُ الأَعمالِ إلى سَيِّئ وصَالِح؛ لِقَوْله تعالى: {سُوءُ عَمَلِهِ}.

الْفَائِدَةُ الرَّابِعَةُ: فيها الرَّدُّ على الجَبْرِيَّة؛ لِقَوْله تعالى: {سُوءُ عَمَلِهِ} فأضافَ العَمَل إليه، وهم يقولون: إنَّ الأَعْمالَ لا تُضافُ إلى الإِنْسَان؛ لأنَّه مُجْبَرٍ عليها.

الْفَائِدَةُ الخَامِسَةُ: أنَّ مَن هذه حالُهُ لا يستوي مع من ليس كذلك، بحيث يرى السَّيِّئ سيِّئًا والحَسَنَ حَسَنًا، ونأخذها من أنَّ المَحْذُوف يكون مُقابِلًا للمَذْكور؛ لأنَّ الهَمْزَةَ هنا للتَّسْوِيَة؛ يعني: (أَيَسْتَوي هذا وهذا؟ ) والجواب: لا يستويانِ.

<<  <   >  >>