للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فنقول: إنْ مَنَعَكَ ما هو لك فقد ظَلَمَك، وإن مَنَعَك فَضْلَه فَفَضْلُ الله يؤتيه من يشاءُ، ولولا أنَّك لَسْتَ أَهْلًا للهِدايَة ما منعك الله هدايته.

قَوْله تعالى: {وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} المُرَاد بالهِدايَة هِدايَةُ التَّوفيقِ، وربَّما نقول: هِدايَة التَّوفيق والدَّلالَة، ولكنَّ الأَهَمَّ هو هِدايَة التَّوْفيقِ، ولَعَلَّ هذا هو المُرَادُ هنا؛ لأنَّ الذين أضَلَّهُم الله قد هداهم الله هِدايَةَ الدَّلالَةِ؛ كما قال تعالى: {وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ} [يونس: ٢٥] وهذا عامٌّ، ولكنَّ الهِدايَة أن يهدي من يشاء إلى صراطٍ مُسْتقيمٍ.

وَقَوْله تعالى: {فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ} هل هذا النَّهْيُ نَهْيٌ عما كان أو نَهْيٌ عما لم يَكُنْ؟ الظَّاهِرُ أنَّه نَهْيٌ عما كان، وأنَّ الرَّسُول عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ يتَحَسَّر على هؤلاء المُكَذِّبين الذين كانوا يُكَذِّبونَه ويَضيقُ صَدْرُه، ويقول عَزَّ وَجَلَّ: {لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ} [الشعراء: ٣]، فـ {لَعَلَّكَ بَاخِعٌ} أي: مُهْلِكٌ نَفْسَك، {أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ}.

فالرَّسُول عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ تَحَسَّر لهؤلاء لعَدَمِ إيمانِهِم، والنَّهْي عن الشَّيْء قد يكون نَهْيًا عما كان وقد يكون نَهْيًا عمَّا لم يكن؛ فَقَوْله للنَّبِيِّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: {فَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ (٢١٣) وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} [الشعراء: ٢١٣ - ٢١٤] هذا نهيٌ عما لم يكن؛ لأنَّ الرَّسُول لم يَدْعُ.

قَوْله تعالى: {فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ} يعني: لا تذهب نَفْسُك من أجْلِهم، كما يقال: (بكيت عليكَ الدَّهْرَ) أي: من أجْلِكَ، فالمَعْنى: لا تَذْهَبْ نَفْسُك من أجلهم حَسَرَاتٍ.

قَوْله تعالى: {حَسَرَاتٍ} قيل: إنَّها حالٌ على أنَّها مَصْدَرٌ أريد به اسْمُ الفاعِلِ؛ أي: حاسِرَةً، والحَسْرَة هي الهَمُّ الشَّديدُ والغَمُّ على ما فات، وكلُّ من فاته شَيْء يُحِبُّه

<<  <   >  >>