للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ: [{إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ} في مُلْكِه {غَفُورٌ} لذنوب عبادِهِ المُؤْمِنينَ].

هذا مبنيٌّ على أنَّ العِزَّة بمَعْنى الغَلَبَة كما يُفَسِّرُها كثيرٌ من المُفَسِّرينَ بذلك، فيقول: العزيزُ؛ أي: الغالِبُ، ولكن هذا التَّفْسيرَ الذي ذكرناه ما نُطْلِقُه في مُلْكِه، تقول: (هو عزيز) ولا نُقَيِّده في المُلْك؛ لأنَّ الله تعالى عزيزٌ في مُلْكِه، وعزيزٌ في صِفاتِه كُلِّها، وعزيزٌ في شَرْعِه، فالعِزَّة عامَّةٌ، ما دمنا نقول: إنَّها عِزَّةُ الإمْتِناعِ والقَدْر والقَهْر.

وأما [{غَفُورٌ} لِذُنوبِ عِبادِهِ المُؤْمِنينَ] فَتْقِييدُها بذلك أيضًا فيه نَظَرٌ، ولو قال المُفَسّر رَحِمَهُ اللَّهُ: (غفورٌ لمن تابَ إليه) أو (لِمَنِ اسْتَغْفَرَه) لكان أَشْمَل؛ لأنَّ الله تعالى يَغْفِر حتى لِغَيْر المُؤْمِنينَ لو تابوا إلى الله، قال تعالى: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ} [الأنفال: ٣٨]، وقال تعالى: {قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا} [الزمر: ٥٣] فالتَّعْميمُ أَوْلَى من التَّخْصيصِ.

[من فوائد الآية الكريمة]

الْفَائِدَة الأُولَى: بَيانُ قُدْرَةِ الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى باخْتِلافِ ألَوْانِ النَّاسِ والدَّوَابِّ والأنعام؛ أي: أصْنافها وأَشْكالها؛ لأنَّ اختلافَ هذه الألَوْان - وهي نوعٌ واحِدٌ - دليلٌ على القُدْرَة، فبنو آدم مثلًا لا يُمْكِنُ أن يَشتَرِك شخصان أو أن يتماثَلَ شخصان في كلِّ شَيْء أبدًا، وإن قُدِّر تمَاثُلُهما في الخِلْقَة فَسَيَخْتَلِفَان في الخُلُق، والتَّساوِي في الخُلُق أمرٌ مُسْتَحيلٌ؛ لأنَّ النَّاس يَتبايَنونَ فيه تبايُنًا عظيمًا، يَتَباينُون فيه تبايُنًا أَشَدَّ من التَّبايُن الخِلْقِيِّ وإن كان التَّبايُنُ الخِلْقِيُّ أَظْهَر؛ لأنَّه يُشاهَد ويُرى، لكنَّ التَّبايُنَ الخُلُقي أشَدُّ؛ لأنَّه لا يُمْكِن أن يَتَّفِقَ النَّاس فيه أو أن يتساوى النَّاس فيه أبدًا؛ لأنَّ أيَّ كَلِمَة

<<  <   >  >>