للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وعِزَّة الإمتناعِ؛ أي إنَّ الله تعالى يَمْتَنِع عليه النَّقْصُ في ذاته، أو في صِفاته، ومنه قَوْلهم: (أَرْضٌ عَزَازٌ)؛ أي: شديدةٌ صُلْبَة، لا يتجاوَزُها شَيْء لِصلابَتِها، ولا يُؤَثِّر فيها شَيْء، لِقُوَّتِها وشِدَّتِها.

فالعِزَّةُ إذن لها ثلاثةُ معانٍ عِزَّةُ القَدْر، وعِزَّة القَهْر، وعِزَّة الإمْتِناعِ.

قَوْله تعالى: {غَفُورٌ} أي: ذو مَغْفِرَة كما قال تعالى: {وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلَى ظُلْمِهِمْ} [الرعد: ٦]، والمَغْفِرَةُ سِتْرُ الذَّنْب والتَّجاوُز عنه، يدلُّ لذلك اشْتِقاقُها؛ فإنَّها مُشْتَقَّةٌ من المِغْفَرِ وهو ما يُغَطَّى به الرَّأْسُ وتُتَّقى به السِّهامِ، وفي المِغْفَر سِتْرٌ ووِقايَة، وعلى هذا فنقول: (الغفور) ذو المَغْفِرَة، وهي: سِتْر الذَّنْب والتَّجاوُز عنه.

ويدل لهذا المَعْنى - زيادةً على دَلالَةِ الإشتقاق - ما ثَبَتَ في الحديث الصَّحِيحِ أنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قال: "إِنَّ الله يُدْنِي المُؤْمِنَ فَيَضَعُ عَلَيْهِ كَنَفَهُ وَيَسْتُرُهُ، فَيَقُوُل: أَتَعْرِفُ ذَنْبَ كَذَا؟ أَتَعْرِفُ ذَنْبَ كَذَا؟ فَيَقُوُل: نَعَم أَيْ رَبِّ، حَتَّى إِذَا قَرَّرَهُ بِذُنُوبِهِ، وَرَأَى فِي نَفْسِهِ أَنَّهُ هلَكَ، قَالَ: سَتَرْتُها عَلَيْكَ فِي الدُّنْيَا، وَأَنَا أَغْفِرُهَا لَكَ اليَوْمَ" (١)؛ يعني: أَتَجاوَزُ عنها، وفي الدُّنْيا سَتَرَها الله على العَبْد.

ومُناسَبَة ذكر العِزَّة والمَغْفِرَةِ هنا بعد ذِكْرِ الخَشْيَةِ: الإشارَةُ إلى أنَّ الله عَزَّ وَجَلَّ أَهْلٌ لأن يُخْشَى؛ لأنَّه عزيزٌ؛ وأنَّه إذا نَقَصَ شَيْءٌ من الخَشْيَة فإنَّه يُقابَل بالمَغْفِرَة، فهو عزيزٌ فلذلك كان أَهْلًا للخَشْيَة، وهو غفورٌ إذا نَقَصَ شَيْءٌ مِمَّا يَجِبُ له من خَشْيَتِه عَزَّ وَجَلَّ.


(١) أخرجه البخاري: كتاب المظالم، باب قول الله تعالى: {أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ}، رقم (٢٤٤١)، ومسلم: كتاب التوبة، باب قبول توبة القاتل، رقم (٢٧٦٨)، من حديث ابن عمر - رضي الله عنهما -.

<<  <   >  >>