للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

- أي أَنْواع العَذابِ التي للكافرينَ في النَّار - من القُرْآن يكون جَيِّدًا.

قَوْله تعالى: {وَمَكْرُ أُولَئِكَ هُوَ يَبُورُ}: {وَمَكْرُ} مُبْتَدَأ خَبَرُه جُمْلَةُ {هُوَ يَبُورُ} و {هُوَ} لا تَصِحُّ هنا أن تكون ضَميرَ فَصْلٍ؛ لأنَّ القاعِدَةَ أنَّ ضميرَ الفَصْلِ يكون بين اسْمَينِ لا بين اسْمٍ وفِعْلٍ، لكنها مُبْتَدَأٌ خَبَرُها جُمْلَةُ {يَبُورُ} والجُمْلَةُ من المُبْتَدَأِ والخَبَر خَبَرُ {وَمَكْرُ} وأتى بهذا التَّركيبِ من بابِ تْعْظيمِ هذا الشَّيْءِ وتَهْويلِهِ.

وَقَوْله تعالى: {وَمَكْرُ أُولَئِكَ} ولم يَقُلْ: (مَكْرُ هؤلاء) إمَّا اسْتِبْعادًا لهم؛ لأنَّهم ليسوا أَهْلًا لأن يُقَرَّبوا؛ أو لأنَّهم هم جَعَلُوا أَنْفُسَهُم في محل العالينَ الذين يُشارُ إليهم مِن بُعْدٍ، فبيَّنَ أنَّ هؤلاء الذين تَعَالَوْا بِمَكْرِهم - وإن كانوا في القِمَّةِ على حَسَب زَعْمِهِم - فإنَّ هذا المَكْرَ يَبورُ؛ والبوار بمَعْنى الهلاك كما قال الله تعالى: {وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ (٢٨) جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا} [إبراهيم: ٢٨ - ٢٩].

فهؤلاء مَكْرُهُم يَبورُ؛ أي: يَتَلاشى وَيضْمَحِلُّ، ولا يفيدهم شيئًا.

[من فوائد الآية الكريمة]

الْفَائِدَة الأُولَى: في هذا الحَثُّ على طلب العِزَّةِ من الله عَزَّ وَجَلَّ؛ لأنَّه ليس المَعْنى أنَّ من أرادَ العِزَّة فَلْيَطْلُبْها من الله، فليس المُرَادُ العَرْضَ فقط؛ إذ كُلُّ أحدٍ يريد العِزَّةَ، لكن إذا أرَدْتَ العِزَّةَ فمِمَّنْ تَطْلُبُها؟ من الله، ففيه إثباتُ أنَّ العِزَّةَ تُطْلَب من الله عَزَّ وَجَلَّ.

الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ: أنَّه لا عِزَّةَ بدون الله، وذلك بالقيامِ بطاعَةِ الله، والإسْتِعانَة به، والإعتمادِ عليه، فإذا اعْتَزَّ الإِنْسَانُ بِكَثْرَتِه فإنَّه يُهْزَم، كما قال الله تعالى: {إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ} [التَّوْبَة: ٢٥]، ولو اعْتَزَّ الإِنْسَانُ بِقُوَّته المادِّيَّة كقُوَّةِ السِّلاحِ مثلًا فإنَّه يُهْزَم،

<<  <   >  >>