للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

المُفَسِّر رَحِمَهُ اللهُ أنَّه المُرَادُ بالآيَة دونَ غَيْره فقُصُورٌ، وإن أراد بذلك التَّمْثيلَ فصحيحٌ؛ فإنَّه لا شَكَّ أنَّ هؤلاء مَكَروا بالنَّبِيِّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ كما قال الله تعالى: {وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} [الأنفال: ٣٠].

مَعْنى {لِيُثْبِتُوكَ} أي: يُقَيِّدوكَ ويَحْبِسوك {أَوْ يَقْتُلُوكَ} هذا واضح، و {أَوْ يُخْرِجُوكَ} أي: من مَكَّة، ولكن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى قال: {وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} فهُم - الحَمْد لله - ما أَثْبَتُوه، ولا قَتَلُوه، ولا أَخْرَجُوه، كل هذه انْتَفَتْ مع حِرْصِهم الشَّديدِ على تَنْفيذِها، لكنْ ما حصل منها شَيْءٌ.

وجُمْلَة: {لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ} هذه الجُمْلَةُ جُمْلَة خَبَرِيَّة، وهي في مَحَلِّ رفعِ خَبَرُ {وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ}.

والعذابُ بمَعْنى العُقُوبَةِ، والشَّديدُ؛ أي: القَوِيُّ، فهو قويٌّ في إيلامِهِ، وإيجاعِهِ، وفي أَنْواعِهِ المُتَنَوِّعة، من حَرُورٍ، وبَرْد، وعَطَشٍ، وجُوع، وغير ذلك من شِدَّتِه؛ لهم - والعياذ بالله - سَرابيلُ من قَطِرانٍ كُلَّما نَضِجَتَّ جَلودهم قال الله تعالى: {بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا} [النساء: ٥٦]، وقال: {كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا} [الإسراء: ٩٧]، وانظر إلى قَوْله تعالى: {كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ} [الإسراء: ٩٧] يَتَبَيَّن لك أنَّ الزيادَةَ تأتي فَوْرًا.

والله عَزَّ وَجَلَّ قادِرٌ على أن تبقى بزيادَتِها، لكنَّها تخبو ليكون في قُلوبِهِم شَيْءٌ من الطَّمَع في خِفَّةِ العذابِ أو الخُرُوج، ثم يعود: فيكونُ هذا أَشَدَّ؛ لأنَّ ضَرْبَ الإِنْسَانِ بِعُقوبَةٍ بعد الطَّمَعِ في زوالِهَا يكونُ أشَدَّ عليه مِمَّا لو كان الأَمْرُ مُسْتَمِرًّا.

وَقَوْله تعالى: {لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ} هذا مُفَصَّلٌ في الكِتَاب والسُّنَّة، فمن تَتَبَّعَه

<<  <   >  >>