وَقَوْله تعالى:{وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ} السَّيِّئاتُ هي ما يَسوءُ الإِنْسَانَ فِعْلُه مثل شُرْبِ الخَمْر، السَّرِقَة، الزِّنا، الرِّبا، وما أشبه ذلك.
فإن قُلْتَ: هذا لا يسوء الإِنْسَانَ فِعْلُه!
فجوابُنا على هذا أن نقول: إن أَرَدْتَ أنَّه لا يَسُوءُ الإِنْسَانَ فِعْلُه أبدًا فهذا ليس بصحيحٍ؛ لأنَّه يوم القِيامَة سوف يَنْدَمُ، وسوف يَسُوء الإِنْسَانَ فِعْلُه في ذلك اليوم.
أمَّا في الدُّنْيا فإنَّه يسوء الإِنْسَان فعله؛ لأنَّ للذُّنوبِ آثارًا على القُلُوب، فإنَّ المعاصِيَ تكون نُقْطَةً سَوْداءَ في القَلْبِ فإن تاب الإِنْسَانُ انْصَقَلَ قَلْبُه وعاد إلى بياضِهِ، وإلا تَوَسَّعَت هذه النُّقْطَةُ السَّوْداء، وأصْبَحَ القَلْبُ مُظْلِمًا - والعياذ بالله - بل يُخْتَمُ عليه حتى لا يَصِلَ إليه الخير كما قال الله تعالى:{كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ}[المطففين: ١٤].
فللذُّنوبِ آثارٌ عظيمَةٌ على القَلْبِ تُوجِبُ أن يكون مُنْقَبِضًا، وإذا تلَذَّذَ بعضَ الشَّيْء في هذه المَعْصِيَةِ فإنَّه يَعْقُبُ ذلك حَسْرَةٌ عَظيمَةٌ في القَلْبِ وضِيقٌ، واقرأ إن شِئْتَ قَوْلَ الله تعالى:{أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ}[الزمر: ٢٢]، يتبيَّنْ لك أنَّ المَعْصِيَة تَسُوء فاعِلَها، وإن كان قد لا يَشْعُرُ بها؛ لأنَّه قد ران على قَلْبِه ما كان يَعْمَل.
إذن: السَّيِّئاتُ سَيِّئاتٌ لِكُلِّ حالٍ تَسُوء صاحِبَها في الدُّنْيا، ولكن قد لا يَظْهَر، وقد لا يَتَبَيَّن له، وفي الآخِرَة يَظْهَرُ له ويَتَبَيَّن ويتمَنَّى أن يعود إلى الدُّنْيا ليَعْمَلَ صَالِحًا.
قال المُفَسِّر رَحِمَهُ اللهُ: [{وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ} المكَرَاتِ {السَّيِّئَاتِ} بالنَّبِيِّ في دار النَّدْوَةِ من تَقْييدِهِ، أو قَتْلِه، أو إخْراجِهِ، كما ذُكِرَ في الأنفال] هذا في الحَقيقة إذا أراد