أفادنا المُفَسِّر رَحِمَهُ اللهُ أنَّ السَّيِّئاتِ صِفَةٌ لمِصْدَرٍ مَحْذُوفٍ، والتَّقْديرُ:(المَكَرَات السَّيِّئاتِ) فيكونُ الوَصفُ هنا للفِعْلِ لا لمِا حَصَلَ به المَكْرُ؛ لأنَّ فِعْلَهم نَفْسَه مَكْرٌ سَيِّئٌ، كما قال الله تعالى:{وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِه}[فاطر: ٤٣]، وسَمَّى الله عَزَّ وَجَلَّ السَّيِّئاتِ مَكْرًا؛ لأنَّ الإِنْسَانَ في الواقِع يَخْدَعُ نَفْسَه بها، ويَخْدَع غَيْره بها، فيُمَنِّي نَفْسَه التَّوْبَة وأنَّه سيتوب، أو يُمَنِّي نَفْسَه سَعَةَ حِلْمِ الله ومَغْفِرَتِه وأنَّ الله واسِعُ الحِلْم والمَغْفِرَة والرَّحْمَةِ، فلن يؤاخِذَه بهذه العُقُوبَةِ، فتَمَنِّي الإِنْسَانِ في هذا الباب من وَجْهَيْنِ:
الوَجْهُ الأَوَّلُ: أنَّه يُمَنِّي نَفْسَه التَّوْبَة، وما يُدْريهِ فَلَعَلَّه لا يتمكَّنُ منها، لعل سَيِّئاتِه تُحيطُ به ثم لا يَتَمَكَّن من التَّوْبَة، أو لَعَلَّه يَفْجَؤُه الموتُ، ثم لا يتمَكَّنُ من التَّوْبَة.
الوجه الثاني: أنَّه يتَمَنَّى على الله الأَمانِيَّ، فيقول:(إنَّ الله غفورٌ رحيم)، و (الله واسع الرَّحْمَة)، و (سوف يعفو عني) كما يُوجَدُ عند كثيرٍ من النَّاسِ عندما يَعْمَلُ مَعْصِيَةً؛ حيث يقول لك: اللهُ غفورٌ رحيم، بل بَعْضُهُم يحتج بالآيَة:{إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ}[النساء: ٤٨] ويقول: أنا لم أُشْرِكْ، وما دون الشِّرْك فإنَّ الله تعالى يَغْفِرُه.
وجوابُنا على ذلك يَسيرٌ جِدًّا، وهو أن نقول له: أَثْبِتْ أنَّكَ مِمَّنْ شاء الله أن يَغْفِرَ له؛ لأنَّ الله عَزَّ وَجَلَّ ما قال:{وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ} وسكت، بل قيَّدَه بِقَوْله تعالى:{لِمَنْ يَشَاءُ} فأنت أَثْبِتْ أنَّكَ مِمَّن شاء الله أن يَغْفِرَ له، وحينئذٍ يكون لكَ حُجَّةٌ، أمَّا أن تفعل المَعْصِيَةَ التي هي سبب العُقُوبَةِ ثم تتمَنَّى على الله أمرًا لم يَعِدْكَ الله به، بل قال:{لِمَنْ يَشَاءُ} فهذا لا شَكَّ أنَّه ضلالٌ منك.