وعليه فرِسالَة النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - مُتَضَمِّنةٌ للحَقِّ في الأَخْبار والأَحْكَام؛ ففيه بيان فَضيلَةِ هذه الشَّريعَةِ الإِسْلامِيَّة التي جاء بها النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -.
الْفَائِدَةُ الرَّابِعَةُ: أنَّ كل ما كان حَقًّا فإنَّ الشَّريعَة جاءت به سواء نَصَّت عليه بمعناه الخاصِّ أو بالمَعْنى العامِّ، ومن ثَمَّ أَثْبَتَ بعض الفقهاء أو بَعْضُ الأُصُولِيِّين ما يُسَمَّى بالمصَالِح المُرْسَلَة، وجعلوها دليلًا مُسْتَقِلًّا، والصَّوابُ أنَّها ليست دليلًا مُسْتَقِلًّا، لأنَّ هذه المصَالِحَ إن شهد الشَّرْعُ لها فهي من الشَّرعِ ولا حاجة إلى أن نَجْعَلَها دليلًا مُسْتَقِلًّا، وإن لم يَشْهد لها فَلَيْست بمَصْلَحَة، وصاحِبُها الذي زَعَمَها مَصْلَحَةً يُعْتَبَرُ واهمًا؛ فكوننا نُثْبِتُ دليلًا خامسًا نُسَمِّيه المصَالِحَ المُرْسَلَة هذا خطأٌ؛ لأنَّ هذه المَصْلَحَةَ إن شهد لها الشَّرْعُ فهي من الشَّرْعِ دلَّ عليها الكِتَاب والسُّنَّة، كان لم يَشْهَد لها فلَيْسَتْ بمَصْلَحَة، فلا تُعْتَبَر.
ومن ذلك أيضًا زعْمُ بَعْضِهم استحداثَ دليلٍ سادسٍ: وهو اسْتِصحابُ الحال؛ بمَعنى أنَّ الأَمْرَ يبقى على ما كان عليه حتى يَتَبَيَّنَ ارتفاعُه وانتفاؤُهُ، هذا أيضًا ليس بصوابٍ؛ يعني: لا يَصِحُّ أن نَجْعَلَه دليلًا مُسْتَقِلًّا؛ لأنَّه قد دلَّت عليه السُّنَّة.
فقد شُكِيَ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - الرَّجُلُ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنَّهُ يَجِدُ الشَّيْءَ فِي الصَّلَاةِ، فَقَالَ:"لَا يَنْصَرِفْ حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا أَوْ يَجِدَ رِيحًا"(١).
إذن: نَبْني على بقاءِ الأَصْلِ واسْتِصْحابِ الحالِ، وحينئذٍ لا نحتاج أن نجعل هذا دليلًا مُسْتَقِلًّا.
(١) أخرجه البخاري: كتاب الوضوء، باب من لا يتوضأ من الشك حتى يستيقن، رقم (١٣٧)، ومسلم: كتاب الحيض، باب الدليل على من تيقن الطهارة ثم شك في الحدث .. ، رقم (٣٦١)، من حديث عبد الله بن زيد - رضي الله عنه -.