للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وإنَّما جَعَلَ بعضُ العُلَماء هذينِ الدَّليلَيْنِ مُسْتَقِلَّينِ؛ لأنَّ الإِنْسَانَ يَنْقَدح في ذِهْنه أنَّ هذا شَيْءٌ مُنْفَصِل عن دَلالَة الكِتَابِ والسُّنَّة، فيَذْهب ويَجْعَلُه دليلًا مُسْتَقِلًّا، وإلا فلو تأمَّلَ لوجد أنَّ ذلك موجودٌ في الكِتَاب والسُّنَّة، وأنَّه لا حاجَةَ إلى أن نُثْبِتَه دليلًا مُسْتَقِلًّا.

ولقد تَجَرَّأ بعض المُتَأَخِّرين على الدَّليلِ الأَوَّلِ وهو المصَالِحُ المُرْسَلَة حتى أدخل فيه ما شَهِد الشَّرْعُ بِبُطْلانِه، ومن ذلك قَوْلُهُم بِإِجازَةِ الرِّبا البَنْكِيِّ، وأنَّه يجوز بناءً على ما تَوَهَّموه من المصَالِح المُرْسَلَة، وقالوا: إن اقْتِصادِيَّاتِ العالَم في العَصْرِ الحاضِرِ لا تَتِمُّ إلا باستعمال هذه الطَّريقَة، فالأَلْفاظُ والأَساليبُ إذا جاءت على غَيْرِ ما جاء في الكِتَابِ والسُّنَّة يحصل بها مَفْسَدَةٌ.

فهنا أدخلوا شيئًا شَهِدَ الشَّرْعُ بِبُطلانِه، وإذا شَهِدَ الشّرْعُ ببُطْلانِه فإننا نَشْهَد أنَّه ليس فيه مَصْلَحَةٌ، وأنَّ المَصْلَحَةَ المَوْهومَة منه يَخْلُفُها مفاسِدُ كثيرةٌ؛ فلهذا نحن نرى ألَّا تُجْعَلَ دليلًا مُسْتَقِلًّا، وإلا فليسَ من الشَّرْعِ وليس فيه مَصْلَحَةٌ، والمصَالِحُ المَوْهومَة فيه إذا كانت مخُالِفَة للشَّرْعِ فلا بُدَّ أن يَخْلُفَها مَفاسِدُ كثيرةٌ.

الْفَائِدَةُ الخَامِسَةُ: أنَّ رِسالَةَ النَّبِيِّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ تَتَضَمَّنُ من حيث الجزاءُ أَمْرَيْنِ؛ هما: البِشارَة والإِنْذار؛ فالبِشارَة لمن أطاع، والإِنْذار لمن خالَفَ سواءٌ كانت تلك الطَّاعَةُ عامَّة أو في بَعْضِ الأشياء، وكذلك نقول في المُخالَفَة.

الْفَائِدَةُ السَّادِسَةُ: أنَّ الإِنْسَان يَجْتَمِعُ فيه خَصْلتانِ مُتَضادَّتانِ في المَعْنى وإن كانتا مُتَّفِقَتَيْنِ في المُرَاد: {بَشِيرًا وَنَذِيرًا} لأنَّ المُبَشِّر هو الذي يَعِدُ النَّاس بالخَيْر ويَفْتَحُ لهم باب الرَّجاء، والمُنْذِر هو الذي يُخَوِّفُهم من الضَّارِّ، فبينهما من حيث المَعْنى تَقابُلٌ، وهما يَجْتمعانِ في عَيْنٍ واحِدَة.

<<  <   >  >>