للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لِيَنْظرونَ بمَعْنى يَنْتَظِرون، وهناك ضابطٌ - وليس قاعِدَةً -: أنَّ (يَنْظُر) إن تَعَدَّتْ بـ (إلى) فهي بمَعْنى النَّظَر بالعَيْنِ؛ كقَوْله تعالى: {أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ} [الغاشية: ١٧] وإن تَعَدَّتْ بـ (في) فهي بمَعْنى النَّظَر الفِكْرِيِّ؛ كما في قَوْله تعالى: {أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ} [الأعراف: ١٨٥] وإن تَعَدَّتْ بِنَفْسِها فهي بمَعْنى الإنْتِظارِ، مثلما هنا في قَوْله تعالى: {فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ} معناها: (هل يَنْتَظِرون) من الإنتظارِ وهو التَّرَقُّب، فهل يَنْظرونَ؛ يَنْتَظِرون يعني يَتَرَقَّبون.

وَقَوْله تعالى: {إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ} سُنَّة بمَعْنى الطَّريقَةِ، والإضافَةُ هنا إلى {الْأَوَّلِينَ} من باب الإخْتِصاصِ؛ يعني إلا السُّنَّة التي جرت لِلَأَوَّلينَ وليس المُرَادُ السُّنَّةَ التي فعلها الأولون؛ لأنَّ الأولين مفعولٌ بهم وليسوا هم الفاعلينَ، وإنَّما الفاعِلُ من الله عَزَّ وَجَلَّ.

وَقَوْله تعالى: {إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ} قال المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ: [سُنَّةَ اللهِ فِيهِمْ مِنْ تَعْذِيبِهِمْ بِتَكْذِيبِهِمْ رُسُلَهُمْ] يعني ما يَنْتظِرُ هؤلاء الذين كذَّبوا الرَّسُول - صلى الله عليه وسلم - إلا سُنَّةَ الأَوَّلينَ، وهي - أي سُنَّة الأولين- تَعذيبُهُم بِتَكْذيبِ الرُّسُلِ.

قال تعالى: {فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا} لَنْ تَجِدَ لسُنَّة الله تبديلًا بِرَفْعها أو تبديلًا بِتَحْويلِها إلى قومٍ آخرين؛ يعني أنَّ سُنَّة الله ستَقَعُ في أعيان الذين يَسْتَحِقُّونَها، فلن تُبدَّلَ فتُرْفَعَ ولن تُحَوَّل إلى قومٍ آخرين فيَسْلَمَ منها من اسْتَحَقُّوها، بل هي واقِعةٌ على من استحَقُّوها عَيْنًا.

مثال ذلك: المُشْرِكونُ - من قريش - كَذَّبوا الرَّسُولَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ؛ التَّحْويلُ معناه أن تُحَوَّلَ عُقوبَتُهُم إلى بني تمَيمٍ مثلًا، هذا لا يُمْكِن؛ لأنَّ هذا ظُلْمٌ؛ أن يؤاخَذَ قومٌ بجريمَةِ آخرينَ، هذا مَعْنى قَوْله تعالى: {وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا}.

<<  <   >  >>