نقول: هذا الإسْتِثْناءُ لا شَكَّ أنَّه باطِلٌ؛ لأنَّ الآيَةَ {إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} فقال: {عَلَى كُلِّ شَيْءٍ} وَقَوْله: "إنَّ العَقْلَ خَصَّ ذاتَه فليس عَلْيها بقادِرٍ" نقولُ: إنَّ العَقْلَ لا يُمْكِنُه أن يُخَصِّصَ هذا الخَبْر بدون دليلٍ، ولو ذَهَبْنا نخصِّص مثل هذه العُموماتِ بالعُقولِ لَأَبْطَلْنا كثيرًا من دَلالاتِ الكِتَابِ والسُّنَّة.
وماذا تريد بِقَوْلك:"خَصَّ العَقْلُ ذاتَهُ فليس عَلَيْها بقادِرٍ؟ " إن أردْتَ أنَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لم يكُنْ قادرًا على ذاتِهِ؛ بمَعْنى أنَّه لا يَقْدِر مثلًا أن يُمْرِضَ نفسه أو أن يُعْدِمَ نَفْسَه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فهذا أَصْلٌ لم تتعَلَّقْ به القُدْرَة؛ لأنَّ هذا من الأُمورِ المُسْتَحيلَة، وإن أردتَ أنَّه ليس قادِرًا على أن يفعل، فلَعَلَّ هذا مُرَادُه - لأنَّ الأشاعِرَة ومن شابَهَهُم يُنْكِرون الأَفْعالَ الإخْتِيارِيَّةَ - فهذا كَذِبٌ؛ بل العَقْلُ يدلُّ على أنَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لم يَزَلْ ولا يزال فعَّالًا لمِا يُريدُ.
وتُوجَدُ عِبارَةٌ تقع كثيرًا بين النَّاس تقول:(إنَّ الله على ما يشاءُ قَديرٌ) نقولُ: هذه عِبارَة خَطَأٌ؛ لأنَّ هذا يُوهِمُ أنَّ ما لا يَشاؤُهُ فليس قادِرًا عليه، هذا أوَّلًا.
وأمَّا قَوْله تعالى:{وَهُوَ عَلَى جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاءُ قَدِيرٌ}[الشورى: ٢٩]، فالمشيئة هنا ليست عائِدةً على القُدْرَة بل عائِدَةٌ على الجَمْع؛ يعني: إذا شاء جَمْعَهُم فإنَّه قديرٌ عليه ردًّا على من أنكروا البَعْثَ، وقالوا: كيف يَجْمَعُ الله النَّاسَ وَيبْعَثُهم بعد أن ماتوا؟
ثانيًا: أنَّكَ إذا قُلْتَ: (إنَّه على ما يشاءُ قَديرٌ) فقد خالَفْتَ التَّعْبيرَ القُرْآنِيَّ الذي أطلق الله فيه وعَمَّمَ: {إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}.
ثالثًا: أنَّ هذا مَأْخوذٌ مِن مَذْهَبِ القَدَرِيَّةِ؛ لأنَّ القَدَرِيَّةَ يقولون:(إنَّ الله لا يَقْدِرُ على عَمَلِ العَبْدِ) فهو غَيْرُ داخِلٍ في قُدْرَة الله، وإذا لم يَقْدِر عليه فإنَّه لا يَشاؤُه، وكذلك