للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فإن قلت: ما الجوابُ عما قاله الفُقَهَاء من أنَّ المَيِّتَ يتأَذَّى بِقَوْلِ المُنْكَر عند قَبْرِه أو فِعْل المُنْكَر عند قَبْرِه؟

فالجوابُ: أنَّ قَوْل الواحِدِ من النَّاس غَيْرِ الرَّسُولِ - صلى الله عليه وسلم - ليس بحُجَّة، وإنَّما يُحْتَجُّ له لا به، ثُمَّ على رَأْيِهم رَحِمَهُم اللهُ يَحْمِلون مَعْنى قَوْله تعالى: {وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ} أي: بِمُسْمِعٍ من تدعوهم إلى الإيمانِ والعَمَلِ الصَّالِح، فإنَّك لا تُسْمِعُهم سَماعًا يَسْتَجيبونَ له، وهذا هو الجوابُ الأخيرُ عن قَوْل من يقول: إنَّ الموتى يَسْمَعونَ ما يقال عندهم ويُخاطَبون به، فَقَوْله تعالى: {وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ} أي: سَماعًا يَنْتَفِعون به ويَسْتجيبونَ له. والله أعلم.

والواجِبُ على المُؤْمِن نحو هذه الأُمُور الغَيْبيَّة أن يُؤْمِنَ بما جاء به النَّصُّ فقط، بل يَجِبُ عليه أن يقول: العِلْمُ عند الله، فلا يَجْزِم بالنَّفْيِ، ولا يجزم بالإثباتِ، نعم، له أن يَجْزِمَ بالنَّفْي ويَجْعَل ما ثبت به الحديثُ من السَّماعِ مُخَصِّصًا؛ لأنَّه قال: {وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ} وفي الآيَة الأخرى: {إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ} [النمل: ٨٠].

الْفَائِدَةُ الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ: أنَّ مُحَمَّدًا رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - ليس إلا مُبَلِّغًا ومُنْذِرًا، وليس في يَدِهِ جَلْبُ الهِدايَة لأَحَدٍ، ولا دَفْعُ الضَّرَر عنه؛ لأنَّه قال: {إِنْ أَنْتَ إِلَّا نَذِيرٌ} يعني: ما أنت هادٍ للنَّاسِ هِدايَةَ تَوْفيقٍ وإِرْشادٍ، ولكنك مُنْذِرٌ فأنت هادٍ هِدايَةَ بيانٍ فقط.

* * *

<<  <   >  >>