عن العَمَل بـ (أنَّ) وما دَخَلَت عليه، فإن (أنَّ) وما دَخَلَتْ عليه تُعَلِّق أفعالَ القلوب عن العَمَل، ويُحْتَمَل أن تكون الرُّؤْيَة هنا بَصَرِيَّة؛ يعني:(ألم تَنْظُرْ وتُبْصِر)؛ لأنَّ ما ذُكِرَ يُرى بالعيْنِ، وما كان يُرى بالعَيْنِ فإنَّه يجوز أن يُرادَ به الرُّؤْيَة بالعَيْنِ، لكن إذا جعلناها علمِيَّةً كان ذلك أَعَمَّ؛ لأنَّ هذا الأَمْر قد لا تراه بِعَيْنِك ولكن تَسْمَعُه في بلادٍ أخرى غَيْر بلادك.
وَقَوْله تعالى:{أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً} المُرَادُ بالسَّماء هنا العُلُوُّ، والمُرَادُ بالماءِ المَطَرُ، وليس المُرَادُ بالسَّماءِ الأَجْرامَ السَّماوِيَّة المَعْروفَة؛ لأنَّ الماء إنَّما يَنْزِل من السَّحاب، والسَّحابُ عالٍ، ولَكِنَّه بين السَّماءِ والأَرْض.
وَقَوْله تعالى:{فَأَخْرَجْنَا بِهِ} قال رَحِمَهُ اللهُ: [فيه التفاتٌ عن الغَيْبِة] لو كان الكَلَام على نَسَقٍ واحد لقال: (فَأَخْرَج به) بضَميرِ الغَيْبَة، لَكِنَّه صار فيه التفات عن الغَيْبَة إلى التَّكَلُّم.
والإلتفاتُ فيه فوائِدُ:
الأولى: فائِدَةٌ مُشْتَرِكَة في جميع موارِدِه ومواضِعِه، وهي: تَنْبيهُ المخاطَب؛ لأنَّ الكَلَام إذا كان على نَسَقٍ واحدٍ اسْتَمَرَّ الإِنْسَانُ معه ولم يكن هناك شَيْءٌ يُوجِبُ أن يَنْتَبِه ويَتَفَطَّن، فإذا اختلف السِّيَاقُ من غَيْبَة إلى تَكَلُّم، أو إلى خطاب، أو ما أشبه ذلك، فإنَّ الإِنْسَانَ يَنْتَبِه؛ يعني: كأنَّه يكون علَمًا على تغيُّر الأُسْلوبِ لِيَنْتَبِه المخاطَب.
الفائِدَة الثانيةُ هنا: قَوْله تعالى: {فَأَخْرَجْنَا بِهِ} فإنَّ (نا) هذه تفيدُ التَّعْظيم؛ لأنَّ الإِخْراجَ أَعْظَمُ من الإنزال بالنِّسْبَة للنِّعمَة علينا، فإنَّه لو نزل المطر ولم يَخْرُجِ النبات لم نَسْتَفِدْ من المطر كما جاء في الحديثِ الصَّحِيح الذي رواه مُسْلِم: "لَيْسَتِ